للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجود لها في الخارج ولا ثبوت، فلا يلزم قيام الحوادث بذاته لأن الأمر العدمى الاعتبارى لا يقوم بشيء". (١)

* * *

المناقشة:

مما يلحظ أن في تقسيم الصاوي للصفات الذاتية من حيث الدليل إلى عقلية وسمعية، وأن العقلية هي ما يتوقف العالم على وجودها، والسمعية هي التي لا توقف لوجود العالم عليها، تقديم لمنزلة الدليل العقلى على السمعى، وقد سبقت الإشارة إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى اعتقاد المتكلمين في أنه لا يمكن إثبات وجود الله تعالى متصفًا بالصفات التي يمكن بها وجود العالم إلا بالعقل، فنفى غالبهم إمكان معرفته سبحانه بغير ذلك، ولما كان الدليل السمعى لا يخرج عن الدلالة الخبرية المحضة - عندهم - استحال أن يستدل به على جهة الاستقلال في مثل هذه المهمات.

وقد تقدم الرد عليهم، ويمكن إجماله هنا للأهمية بأن معرفة الله تعالى متصفًا بصفات الكمال مما قد فطرت النفوس عليه، فدليلها معلوم ببداهة الفطرة، ولا اقتصار على دلالة العقل هنا، ثم إن دليل السمع الصادق دليل يشتمل على البراهين العقلية التي تجزم بصدق دلالتها على كل ما أمر الشرع بالإيمان به استنادًا إلى تمام الدين وكماله، قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: ٣٣].

كما أن ما احتج به الصاوي على عدم صحة الاستدلال بالقياس لباقى صفات المعانى غير صحيح؛ حبث اعتمد في تضعيفه لهذا المسلك بأنه يجعل من الحادث مقياسًا للكمال الذي يجب أن يتصف به القديم، والحال الذي يقطع به المشاهد أنه ليس كل ما كان كمال في حق الحادث صح أن يتصف به الرب تعالى.


(١) حاشية الخريدة البهية: ٨٩.

<<  <   >  >>