للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولبيان وجه الصواب هنا لا بد أولًا من معرفة القياس الذي يصح استعماله في حق المولى تعالى، وذلك أنه قد دلت آيات القرآن الكريم على أن الذي يصح في حقه تعالى هو قياس الأولى، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠]، وعليه فإن كل كمال في حق المخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه هو كمال في حق الخالق تعالى، وبهذا تنتفى الشبهة التي ذكرها؛ إذ الولد في حق المخلوق يستلزم من أنواع النقص ما يجزم بامتناع اتصاف المولى به سبحانه وتعالى. (١)

كما أن في منعه للقياس بشتى صوره، مناقضة للأصل الذي بنى عليه ما أثبته من الصفات بالعقل؛ فإنه حين استدل على وجوب اتصافه تعالى بالعلم والإرادة والقدرة والحياة استند في ذلك على القياس، وأخص منه قياس الغائب على الشاهد.

والذي نخلص إليه هنا أن صفات الله تعالى مع كون الأصل الذي يدلنا عليها هو الكتاب والسنة، إلا أنه يمكن الاستدلال لها بالعقل بناء على أنها من الكمال الذي يجب في حق الله تعالى؛ فلو لم يتصف بها لاتصف بضدها والنقص عليه محال.

ولكفاية الطرق الشرعية في الدلالة على مسائلها؛ فإن هذا الأصل يرجع إلى قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}، أي "الكمال المطلق المتضمن للأمور الوجودية والمعانى الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل، كان أعلى من غيره" (٢)

هذا من حيث الاستدلال، أما على جهة التفصيل، فإن إثباته للصفات بالطريقة التي ذكرها، مع تفسيره للتعلق بأنه أمر اعتبارى يرجع إلى العدم، لا حقيقة له في الذهن فرارًا من إثبات حوادث يتصف بها المولى على جهة الحقيقة، فإن مناقشته في هذه تتأتى من جهتين:


(١) انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: (٦/ ٨٧).
(٢) الصواعق المرسلة لابن القيم: (٣/ ١٠٣١)، وانظر: شرح العقيدة الأصفهانية لشيخ الإسلام: ١٥١.

<<  <   >  >>