للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولى: إذا كان الأمر بهذه الصورة فما معنى إثبات أفعال اختيارية حادثة لله تعالى؟ فمن غير المستساغ عقلًا ولا لغةً إثبات أمر لا حقيقة له، يرجع مفهومه إلى العدم؛ "لأن العقل الصحيح حكم حكمًا لا يتطرقه شك بأنه لا واسطة بين النقيضين البتة، فالعقلاء كافة مطبقون على أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان ولا واسطة بينهما البتة، فكل ما هو غير موجود فإنه معدوم قطعًا، وكل ما هو غير معدوم فإنه موجود قطعًا". (١)

أما من الجهة الثانية فإن هذا المفهوم لحقيقة التعلق كما صرح به الصاوي يؤدى إلى إثبات صفات ذاتية قديمة، تعلقها بما تتعدى إليه على جهة الحدوث والتجدد لا حقيقة له، "لأن حدوث النسب بدون حدوث ما يوجبها ممتنع، فلا تكون نسبة وإضافة إلا تابعة لصفة ثبوتية: كالأبوة والبنوة والفوقية والتحتية والتيامن والتياسر؛ فإنها لا بد أن تستلزم أمورًا ثبوتية". (٢)

* * *

- وبالتالى فإن حقيقة ما يؤول إليه إثباته لصفة الإرادة على هذا الوجه الذي ذكره أمر محدث مخالف للأدلة الشرعية والعقلية، ومن ذلك قول الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢]، فإن كلمة إذا "ظرف لما يستقبل من الزمان. فقوله: (إذا أراد) ونحو ذلك يقتضى حصول إرادة مستقبلة ومشيئة مستقبلة" (٣)

فإن اعتقاد قدم الباري تعالى وحدوث كل هذه الموجودات على جهة الاختيار والإرادة؛ ملزم باعتقاد اتصافه تعالى بإرادة حادثة، ينتج عنها فعل حادث مخصص لحدوث هذه المخلوقات وقت خروجها من العدم إلى الوجود، وهذا لا ينافى اتصافه تعالى بإرادة قديمة "فإن إرادته للمستقبلات هي مسبوقة بإرادته للماضى" (٤)


(١) أضواء البيان للشيخ الشنقيطى: (٢/ ٢٧٧).
(٢) جامع الرسائل لشيخ الإسلام: (٢/ ١٨).
(٣) المرجع السابق: (٢/ ١٤).
(٤) انظر: جامع الرسائل: (٢/ ٣٩).

<<  <   >  >>