للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: من المعلوم أن هذا الشاعر نصرانى المعتقد، فمن العجب أن يحتج بكلامه ويكون العمدة في مثل هذه المهمات، ثم ترد دلالة الأحاديث والآيات لاعتقاد أنها مما يوهم التشبيه بالحادثات (١)

ويكفى هذا لإبطال احتجاجهم به على فرض صحة النقل، فقد اعترض شيخ الإسلام على استدلالهم به وبين أنهم قد حرفوه عن الأصل وهو:

إن البيان لفى الفؤاد وإنما

ومعلوم الفرق بين اللفظين.

ومما يثبت مخالفتهم للغة ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به). (٢)

يقول الإمام ابن أبي العز: "ففرق بين حديث النفس والكلام، وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به، والمراد حتى ينطق به اللسان باتفاق العلماء، فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة؛ لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب". (٣)

وقد استدل الإمام البخاري (٤) على أن كلام الباري تعالى بحرف وصوت بحديث النبي - عليه الصلاة والسلام -: (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قال: الحق وهو العلى الكبير). (٥)

وعود الضمير في اللغة يكون إلى أقرب مذكور وهو [قوله]. فعلم من هذا أن حقيقة الكلام ما كان من حرف وصوت كلما دل عليه النقل والعقل، وليس هو مما تعارف الناس عليه كما ذكر الصاوي.


(١) انظر: الإيمان لشيخ الإسلام: ١٣٢.
(٢) متفق عليه، صحح البخاري - كتاب العتق - باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق - رقمه: ٢٥٢٨. واللفظ لمسلم: كتاب الأيمان - باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر: (٢/ ١٤٧).
(٣) شرح الطحاوية: ١٨٥.
(٤) انظر: خلق أفعال العباد: ١٣٧.
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير - باب قوله: (إلا من استرق السمع)، رقم الحديث: ٤٧٠١.

<<  <   >  >>