للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستوعب في ذلك الحديث جميع ما يتعلق بالأمر الذي تكلم به، حينها يمكن أن يوصف بالسكوت عن ذلك المعنى الذي أعرض عنه وهو ما زال في حال كلامه فلا يعني إن كان متصفًا بالسكوت في ذلك الوقت.

ولهذا الذي ذكرت شواهد مما وصف به الرب تعالى فالحياء صفة للرحمن تعالى وهى لازمة له من جملة صفات الكمال التي اتصف بها كما دلت على ذلك الأحاديث الشريفة (١)، ومع ذلك فقد ورد في سورة البقرة أنه تعالى لا يستحيى من ضرب الأمثال، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: ٢٦].

وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الوقف على قوله: (يستحيى)؛ لأن هذا من الأوصاف النسبية كالمكر والخداع والاستهزاء، فلا يوصف به تعالى إلا مقيدًا بمن يستحقها، وكذلك يكون الحديث عن السكوت؛ فلم يرد نص من كتاب ولا سنة تفيد وصفه تعالى بالسكوت على جهة الإطلاق، أما الحديث الشريف فكلمة [عنه] قيدت الحكم بالأمر المذكور، فلا يتعدى إلى غيره ولا يلزم منه وصفه تعالى بالسكوت على جهة الحقيقة، إلا بدليل صريح الدلالة؛ إذ الحديث لم يرد في بيان ما يتصف به الرب تعالى، وإنما في بيان أقسام الحكم التكليفى فلا أرى فيه لكل ما سبق دلالة واضحة على وصفه تعالى بالسكوت.

ومن جهة أخرى؛ فإن السكوت المطلق نفى، والنفى المطلق عدم محض، والله تعالى منزه عنه، إذ هو موصوف بالكمال الثابت في كل ما أثبته لمسه أو نفاه عنها، فما من نفى لصفة ما إلا وهو يثبت كمالًا مقابلًا لذلك النفى، وهذا من عظمة الله تعالى وتمام كماله وصمديته، هذا والله تعالى أعلم.

فكلماته تعالى لا انقضاء لها، ولا تعد ولا تحصى.


(١) قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن ربكم كريم يستحيى من عبده إذا رفع إليه يده يدعوه أن يردهما إليه صفرًا). أخرجه أبو داود: باب الدعاء، برقم: ١٤٨٣: (٢/ ٢٨٢)، والترمذي: كتاب الدعوات، وقال: حسن غريب (٥/ ٥٢٠)، وقد حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح: (١١/ ١٤٣). وله شواهد حسنة متعددة.

<<  <   >  >>