للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: ١٠٩].

وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: ٢٧].

ثم إن ما ذهب إليه الصاوي في بيان كيفية سماع موسى - عليه السلام - للكلام بلا صوت ولا حرف غير معقول؛ حيث فسره برفع الحجاب فعارض بذلك صريح النص في قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ومعلوم أنه أتى بالمفعول المطلق هنا تأكيدًا لهذه الحقيقة فلا محيد له عنها بمثل هذا التأويل.

وليس في قياسه للكلام على الرؤية ما يدفع حقيقة الإسماع المعلومة بل كان من الأفضل أن يؤيد بذلك هذه الحقيقة، فكما جازت رؤية الحادث للقديم بلا تمثيل ولا تكييف؛ جاز سماع كلامه أيضًا كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه، بلا تمثيل ولا تكييف. (١)

وأما زعمه بأن الكلام يطلق مجازًا على القرآن وليس على جهة الحقيقة؛ فهو يرجع إلى اعتقاد أن معناه من الكلام القديم أما لفظه فحادث مخلوق، أنزل من عند الله إعجازًا. وهذا فيه مجانبة للحقيقة؛ لأن القرآن الكريم كلام الله تعالى لفظًا ومعنى، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] وفى هذا دليل بيِّن "على أن ما نتلوه ونسمعه هو حقيقة كلام الله تعالى، وليس بعبارة عنه" (٢)

وإن كان الصاوي لم يلتزم ما التزمه بعض الأشاعرة من نسبة الألفاظ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لجبريل - عليه السلام - ابتداءً؛ حيث أقر بأن قولهما به إنما كان على جهة التبليغ لا


(١) لمزيد من التوسع يوصى بالرجوع إلى كتاب: موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د/ عبد الرحمن المحمود: (١٢٥٣/ ١٣٠٧). وكتاب: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة د/ خالد بن محمد نور: (٢/ ٥٢٤ - ٥٣).
(٢) الحجة في بيان المحجة، لأبي القاسم التيمى: ٢٦٨.

<<  <   >  >>