للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنشاء والابتداء، (١) إلا أن التصريح بإيجاده يوافق قول المعتزلة بخلقه من جهة اللفظ، فالقرآن لفظ ومعنى، ولا بد لمن تابع السلف في منع القول بخلقه أن يعمم هذا على لفظه ومعناه، وقد أنكر الإمام أحمد على من قال بهذه المقولة، وحكم عليه بالابتداع واتباع المعطلة الجهمية، وكثيرًا ما كان يستدل بهذه الآية الكريمة في هذا الصدد. (٢)

وهنا يجدر التنبيه إلى الأصل الذي حمله على اعتقاد أن الله متكلم بكلام معناه واحد، فإن هذا من جملة ما ابتدع في الدين ولم يسبق إليه أحد قبل الأشاعرة، وقد استندوا في مذهبهم هذا إلى أربعة أصول متتالية:

الأول: أن الله متكلم؛ وذلك لاستحالة السكوت أو الخرس عليه، فالكلام صفة كمال بدليل المقابلة ويمتنع نفيه؛ لأن نفيه يثبت ما يناقضه من النقص، فعلم وجوب اتصافه به.

الثاني: أن الله متكلم حقيقة، ولا يثبت كونه متكلمًا إلا إذا قام الكلام بنفسه؛ لأن الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم حتى يصح نسبته إليه، وهذا هو الأصل الذي أثبتوه ردًا على المعتزلة القائلين بخلق القرآن، فقد بينوا أن القول بخلافه يؤدى إلى منع نسبته لله تعالى على جهة الكلام، إذ يلزم منه لوازم باطلة قد علم بطلانها بالضرورة، فإن القول بخلقه مع إثبات كونه كلامًا لله تعالى يتناقض تمامًا للأمور التالية: فإما أن يخلقه في محل، وحينئذ يكون كلامًا لذلك المحل.

وإما لا يخلقه في محل، وحينها يلزم أن تقوم الصفة والعرض بنفسها، وهذا محال وإما أن يخلقه في نفسه، وهذا باطل؛ لأن يلزم منه أن تكون نفسه محلًا للمخلوقات، وقد علم امتناعه بالضرورة الشرعية والعقلية.

الثالث: أن كلام الله قديم، وأنه تعالى متكلم منذ الأزل، حيث منعوا قيام الحوادث به تعالى، فقد اعتقدوا أن في إثبات قيام الحوادث به سبحانه مخالفة لأصل


(١) انظر: مجموع الفتاوى: (٢/ ٥٠).
(٢) السنة لعبد الله بن الإمام أحمد: ٣٦.

<<  <   >  >>