للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إثباتهم وجود الباري تعالى بدليل الحدوث، فإن أصلهم في إثبات حدوث العالم قام على ركائز متتالية كلها تدعم الركيزة الرابعة وهى أصلهم المعتمد المشهور في إثبات الحدوث بأن كل ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.

ولأجل ذلك منعوا إثبات الكلام الحادث لله تعالى، واعتقدوا في إثباته قيام الحوادث به، وهذا ما قام دليلهم على خلافه، وقد سبقت الإشارة إلى وهن هذا الدليل ومخالفته لصريح المنقول والمعقول.

الرابع: أن كلامه بلا صوت وحرف، وهو يرجع إلى الأصل الثالث، فلحرصهم على نفى الحدوث منعوا أن يكون كلام الله بصوت، لأن قدم الصوت ممتنع عندهم، إذ علم بالضرورة أن الصوت لا يبقى زمانين، فثبت بهذا حدوثه، وهذا ما لا يمكن عندهم قيامه بالله تعالى.

ولكل ما تقدم من هذه الأصول، والتى ترجع إلى وجوب قيام الكلام بالله تعالى وإستحالة حدوثه، تعين عندهم أن يكون الكلام معنى، ليس بصوت ولا حرف.

أما كونه واحدًا فـ "لأنه لو راد على واحد؛ لم يكن له حد محدود، ويمتنع وجود معانٍ لا نهاية لها" (١).

وفى نقض مقولتهم بأنه معنى واحد، يتوجب بيان فساد اعتقادهم في أمرين:

الأول: منعهم أن يكون كلامه تعالى بالفاظ لها صوت وحرف، لإيهام الحدوث الممتنع عندهم.

الثاني: كونه معنى واحدًا.

أما الأول فيكون بنقض أساس حجتهم في منع الكلام بصوت وحرف، وذلك بإثبات صحة قيام جنس الحوادث به تعالى، وهى الصفات الاختيارية، وأنه ليس في ذلك ما يمتنع معه قدم نوع الصفة، فالله تعالى متكلم منذ الأزل، ولا يزال متكلمًا بما شاء كما شاء، ويسند هذا إلى الكثير من أدلة الكتاب والسنة "فكيف يكون أزليًا


(١) منهاج السنة: (٣/ ٣٥٦).

<<  <   >  >>