للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخلوق؟ فالله ليس داخلًا في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أن الله فوق العالم بائن من المخلوقات.

وكذلك يقال لمن قال: إن الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالم؟ أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ . فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثاني فهو باطل". (١)

ونصل من هذا إلى أن وصف الله تعالى بأنه فوق العالم مباين للمخلوقات، مما قد استقر في العقول والفطر، وليس في إثباته ما يلزم منه مماثلته تعالى للحوادث.

وهذا مما لا يداخله شك في قلب كل من سلمت فطرته من مثل هذه الشبه التي أثارها المتكلمون، ولم تكن لتقوى على دفع هذه الحقيقة المستقرة في النفوس. (٢) فالموحدون أجمعون من العرب والعجم، إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة، رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم". (٣)

ولما كان الاستناد إلى النصوص الشرعية، هو الأصل الذي اعتمده أهل السنة والجماعة في إثبات صفاته تعالى؛ اهتم علماء السلف - رحمهم الله - بإبراز الأدلة الشرعية مع بيان وجه دلالتها على إثبات هذه الصفة، كما ينبغى لجلال الله تعالى وعظمته. ومع صعوبة حصرها إلا أنه يمكن الإشارة إلى أبرزها دلالة: فوصفه تعالى بالعلو، والاستواء، وعروج الملائكة، وعروج العمل الصالح إليه، وأنه تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل؛ لإجابة الدعاء، وكشف البلاء، وأنه سبحانه في السماء، كل ذلك مما يؤكد حقيقة اتصافه تعالى بهذه الصفة، التي تدل على كمال من اتصف بها، وعظمته، وسلطانه.


(١) التدمرية: ٦٦.
(٢) انظر: درء التعارض: (٧/ ١٣٢)، ومجموع الفتاوى: (١٦/ ٤٠٧).
(٣) التمهيد للإمام ابن عبد البر: (٧/ ١٣٤).

<<  <   >  >>