للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فإن معنى الاستواء مفهوم؛ إذ القرآن إنما أتى ليخاطب الناس بما فهموه من لغة العرب، فلا تفويض في المعنى، يقول الإمام ابن عبد البر - رحمه الله -: "الاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله عز وجل حيث قال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: ١٣] ". (١)

وعلى هذا المعنى الذي فهمه السلف من الاستواء، لا مكان لما ادعاه الصاوى من حصول المماثلة للحوادث، بل المعنى الذي رأى أن في حمل الاستواء عليه ما يخرج به من هذا اللازم عنده، ما هو ملزم لما فر منه. وذلك أنه لا يكون الاستيلاء إلا إذا وجد المنازع، فهل يجوز وصف الرب تعالى المنفرد بالربوبية والإلهية بهذا المعنى الذي يلزم منه وجود منازع له تعالى؟ وهذا ما أنكره ابن الأعرابى - أحد أئمة اللغة من السلف بالكوفة (٢) - حين اعترض عليه لتفسيره لمعانى الاستواء، وفق ما ورد، فقال: "هو على عرشه كما أخبر، فقيل - أي السائل - يا أبا عبد الله: ليس هذا معناه، إنما معناه: استولى، فقال: أسكت ما أنت وهذا؟ لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل: استولى". (٣)

وبهذا يعلم أن طريقة السلف هي الأعلم والأحكم، لأنها موافقة لمقتضى الإيمان والتسليم بما ورد في الكتاب والسنة، وليس فيها ما يلزم منه معارضتهما ولو بوجه من الوجوه، وفى وصفها بالسلامة دون الحكمة جمع بين النقيضين، يقول الشيخ العثيمين (٤) - رحمه الله -: إن مما يلزم وصفهم لطريقة السلف بالسلامة أن تكون


(١) التمهيد: (٧/ ١٣١). وانظر: كلام الإمام ابن خزيمة في نفس المعنى: كتاب التوحيد: (١/ ٢٣٣).
(٢) هو محمد بن زياد أبو عبد الله ابن راوية، المعروف بابن الأعرابى. صاحب اللغة كان إليه المنتهى في معرفة لسان العرب توفى سنة: ٢٣١. انظر: ترجمته في: شذرات الذهب: (٢/ ٧٠).
(٣) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائى: (٢/ ٣٩٩). وانظر: مختصر العلو للذهبى في مناقشة هذه الشبهة: ٢٨.
(٤) هو العلامة الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين المقبل الوهيبي التميمي ولد عام: ١٣٤٧ هـ في عنيزة إحدى مدن القصيم طلب العلم على كبار مشايخ عصره منهم: الشيخ عبد الرحمن السعدى، والشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكنى الشنقيطى، والشيخ عبد العزيز بن باز، =

<<  <   >  >>