للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن تطابق (الماصدق) عليهما، أي: أن المسلم هو المؤمن والمؤمن هو المسلم، فهذا أيضًا مما يلزم فيه التفصيل، فقد اتفق العلماء على إن كل مؤمن مسلم، أما الثانية وهى: أن كل مسلم مؤمن، فمحل اختلاف، فإن كل مسلم مؤمن من حيث وجود مطلق الإيمان معه، لا الإيمان المطلق، الذي يستوجب المدح؛ كما دل على ذلك قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}، فإن الإيمان قد يطلق ويراد به المدح، وقد يطلق ويراد به فعل لازمه، فهؤلاء الذين منعوا من إطلاق الإيمان عليهم؛ كان ذلك لوجود المانع من إطلاق مسمى المدح، والذي لا يتأتى إلا عند فعل الواجبات وترك المحرمات.

أما مطلق الإيمان فإنه لا يزول عنهم لارتكابهم بعض المخالفات التي تعد من المعاصى؛ فإن "نفى الإيمان المطلق لا يستلزم أن يكونوا منافقين"، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: ٢].

فكل من قصر في شيء مما ذكر؛ بحيث لا يخرجه فعله عن أصل الإيمان، لا يعد "منافقًا من أهل الدرك الأسفل من النار، بل لا يكون قد أتى بالإيمان الواجب". (١)

أما مطلق الإيمان فثابت له، ولكنه غير مستحق للاسم لوقوعه في مخالفة ما يقتضيه الإيمان الكامل الموجب للمدح.

ويستدل شيخ الإسلام - رحمه الله - لثبوت مطلق الإيمان لكل مسلم؛ بدخول كل من [المطيع والعاصي] من آحاد المسلمين في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦].

كما يستدل على نفى المسمى الإيمان الموجب للمدح بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أو مسلمًا. . .)، كما ذكرت ذلك سابقًا. (٢)


(١) الكلام على حقيقة الإسلام والإيمان: ٢٥٤ - ٢٥٧.
(٢) صحيح البخاري: كتاب الزكاة - باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} حديث رقم: ١٤٧٨.

<<  <   >  >>