للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا وقد كان لعلماء الدين دور كبير في حفظ الأمن واستقرار الحياة الاجتماعية، ولعل أول من نبغ من هؤلاء الوعاظ هو الشيخ الحفنى، الذي كان يعاصر على بك الكبير، حتى قيل عنه: إن الشيخ الحفنى سقف على أهل مصر، يمنع عنهم نزول البلاء، وقد وصفه الجبرتى بانه: قطب رحى الديار المصرية، ولا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه وإذنه (١).

ومن ذلك ما حكاه الجبرتى عن الشيخ أحمد الدردير مفتى المالكية في تأييده للثورة الشعبية التي قادها سكان القاهرة ردًا على عدوان أحد المماليك من اليهود، حين قام بالاعتداء على بيت من بيوت أكابر البلد، فقد اجتمع لذلك جماعة كثيرة من أوباش العامة والجعيدية، وبأيديهم نبابيت ومساوق، وذهبوا إلى الشيخ الدردير فوافقهم وساعدهم بالكلام، وقال لهم: إنا معكم، فخرجوا من نواحى الجامع وقفلوا أبوابه، وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات، يصيحون ويضربون بالطبول، وانتشروا بالأسواق في حالة منكرة، وأغلقوا الحوانيت، وقال لهم الشيخ الدردير: في غدٍ نجمع أهالى الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم، وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا، ونموت شهداء، أو ينصرنا الله عليهم، فلما كان بعد المغرب حضر. سليم أغا مستحفظان، ومحمد كتخدا أرنؤد الجلفى كتخدا إبراهيم بك، وجلسوا في الغورية، ثم ذهبوا إلى الشيخ الدردير، وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال، وقالوا للشيخ: اكتب لنا قائمة بالمنهوبات، ونأتى بها من محل ما تكون، واتفقوا على ذلك، وقرءوا الفاتحة وانصرفوا (٢).

* * *

هذا ومن أبرز المواضيع التي يتجه إليها الحديث عند تناول الحياة الاجتماعية هي


(١) ولا شك أن هذا غلو، وكان من آثار التلف العقدى الذي عانت من الأمة الإسلامية في تلك الآونة: عجائب الآثار: (١/ ٣٥٤). وانظر: تاريخ مصر الحديث، الدكتور/ عمر عبد العزيز عمر: ١٥٩.
(٢) عجائب الآثار: (١/ ٦١٠).

<<  <   >  >>