للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النصوص الصريحة على وجودهم، يقول ابن حزم: "فمن أنكر الجن، أو تأول فيهم تأويلًا يخرجهم عن ظاهرهم، فهو كافر مشرك حلال الدم والمال" (١).

وغاية ما يحتج به من أنكر حقيقة الجن، كونهم من عالم الغيب، حيث انعدم الشاهد من الحس، بمعنى أنه انتفى البرهان الحسي على إثباتهم، والذي اعتمدوه في قبول الحقائق أو ردها، ولا شك أن هذا مبدأ باطل لأن التسليم بالنصوص الشرعية؛ يقضي بالإيمان على جهة التفصيل لكل ما أتت به، هذا إذا أردت إبطال شبه المسلمين، كالمعتزلة ومن نحا نحوهم من المحدثين العقلانيين.

أما من خالف أهل الملة من الفلاسفة والمشركين، فإنه يقال في الرد عليهم: إن انعدام الدليل الحسي على وجود ذلك العالم عندهم، لا يعني انعدامه؛ لأن انتفاء العلم ليس دليلًا على انعدامه.

ومن هنا فإن الرد على كل من أنكر ذلك العالم الغيبي، يكون بحسب حاله، فإن كان ممن أقر بصدق الدليل الشرعي، يبين له أهمية التسليم لكل ما جاء به الشرع، وأن أي رد لما علم منه بالضرورة؛ فإنه يعد من ألوان الكفر المخرج من الملة، كما صرح بذلك ابن حزم.

أما إن كان ممن لم يسلم بدلالة الشرع، فيكفي في الرد عليه منع أن يكون العلم مقصورة على الحس والعقل، فكل ما أتى به الوحي لا بد من التسليم له، ولو انعدم الدليل الحسي على وجوده؛ لأن عدم العلم ليس علمًا بالعدم. (٢)

رأي الشيخ الصاوي:

أما عن رأيه في الحقيقة الغيبية الأخرى، وهي عالم الجن، فإنه يعرف الجن في اللغة، فيقول: "الجن اسم جنس جمعي، يفرق بينه وبين واحده بالياء، فيقال: جن وجني، كزنج وزنجي، وغالبًا يفرق بالتاء، كتمر وتمرة.


(١) الفصل: (٥/ ١٢)، وانظر: مجموع الفتاوى: (١٩/ ١٠).
(٢) انظر: المرجع السابق.

<<  <   >  >>