للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا يتبين بطلان ما ذهب إليه الصاوي؛ فإنه لم يثبت أصلًا تكسر الألواح لما ألقاها موسى - عليه السلام -، بل أنه على فرض رواية المصيصي لها قبل اختلاطه ليس فيها ما يدل على أنها عين التوراة ولا على أن الموعظة هي التي رفعت بسبب تكسرها.

ومن العجيب أن الروايات التي ذكرت ما ذهب من الألواح بسبب الكسر على فرضه دلت صراحة على أن الموعظة هي التي بقيت وأن التبيان والتفصيل هو الذي رفع.

وعلى كل فليس هناك ما يستند إليه في مثل هذه الحقائق الغيبية؛ بل إن الآيات الكريمة نفسها لتدل على نفي التغيير عنها لأنها أتت معرفة بأل العهدية، وهي ما سبق لمصحوبها ذكر في الكلام، فتدل على أنه بعينه المراد، ما لم تدل قرينة على خلاف الظاهر فتصرفه وقد علم انتفاؤها لما تقدم (١)، قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: ١٥٤].

ولو كان الأمر خلاف ذلك فإن الآية تنفي تمامًا زوال الموعظة منها، يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية ذاكرًا ما قيل فيها: "يقول كثير من المفسرين إنها لما ألقاها تكسرت ثم جمعها بعد ذلك، ولهذا قال بعض السلف فوجد فيها هدى ورحمة، وأما التفصيل فذهب، وزعموا أن رضاضها لم يزل موجودًا في خزائن الملوك لبني إسرائيل إلى الدولة الإسلامية، والله أعلم بصحة هذا" (٢).

والذي نخلص إليه هنا أنه لم يرد ما يدل من أقوال المعصوم على أي أمر خارج عن دلالة الآيات الكريمة نفسها، لا في حقيقة الألواح ولا في علاقتها بالتوراة ولا فيما أصابها بعد إلقائه لها، يقول الشيخ أبو شبهة - رحمه الله -: "فكل هذه


(١) جامع الدروس العربية، للغلايينى: ١٤٩.
(٢) تفسير القرآن العظيم: (٢/ ٣٣٢).

<<  <   >  >>