للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن الهيئة التي أوردها في استماع المخلوقات لقراءة داود - عليه السلام -؛ فإن المعتمد ألَّا تثبت صفة بعينها لقراءته الزبور وإنصات المخلوقات له لعدم وجود ما يدعم هذه الهيئة، وكان الثابت في هذه المسألة ما دلت عليه الآيات الكريمة من استماع المخلوقات لتسبيح داود - عليه السلام - وترجيعها معه امتثالًا لأمر ربها تبارك وتعالى، قال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: ١٨].

وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: ١٠].

يقول الإمام ابن جرير - رحمه الله - في بيان معنى التأويب للجبال والطير: "يقول تعالى ذكره: ولقد أعطينا داود منا فضلًا، وقلنا للجبال "أوبي معه": سبحي معه إذا سبح" وقد عزا هذا التفسير لكثير من أئمة السلف كابن عباس، ومجاهد وقتادة والضحاك" (١).

وكان حديثه عن التحريف مستندًا إلى نصوص الكتاب والسنة كما هو ظاهر، فقد شاء الله تعالى لحكمته أن تتعرض هذه الكتب التي أنزلت على الرسل السابقين للتحريف والتزوير، وكان لذلك حكمة قدرها في كل ما يقضيه من أمر، وقد تجلت في إرادته تعالى البقاء والهيمنة والرفعة للقرآن الكريم، دستور الإسلام، وكتابه العظيم.

هذا وأسباب ذلك التحريف والتزوير في تلك الكتب كثيرة أشير إلى أهمها في النقاط التالية:

أولًا: أن الله تعالى أوكل حفظها إلى القدرات البشرية مع علمه سبحانه بضعفها ومحدوديتها، يقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ


(١) جامع البيان: (٢٢/ ٦٥).

<<  <   >  >>