للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرى بعضهم أن الإنسان يتخلص من أحكام نفسه إلا إذا توالت مجاهدته لها وتتابعت خلوته حولًا كاملًا، بحيث يسيطر على نفسه كليًا ولا تعود لتستولى عليه (١).

وبهذا الذي سبق مع غيره مما لا مجال لحصره الآن أصبحت الطرق الصوفية مرتعًا نشأت فيه الأفكار الخرافية، ومن أهم الأسباب التي ساعدت على ذلك: التخلف والجهل الذي خيم آنذاك على الناس، ولقد استغل كثير من الدجالين والمشعوذين تلك الأوضاع لصالحهم، بعد أن أضفوا عليها الصبغة الدينية، واتخذوا منها وسيلة للتحايل على عقول الفلاحين (٢).

ولم يقتصر ظهور ذلك التخلف العقدى على السذج من أهل القرى، بل أصبح أمرًا مألوفًا تشهده أكبر الأماكن الدينية المعروفة، وهذا الجبرتى يصف ما كان يحدث في مشهد الحسين من ألوان الباع في يوم المولد وغيره مبينًا مبدأ الابتداع فيه: "وكان السبب في ذلك والأصل فيه، أن هذا المولد ابتدعه السيد بدوى بن فتيح، مباشر وقف المشهد، فكان قد اعتراه مرض الحب الإفرنجي، فنذر على نفسه هذا المولد إن شفاه الله تعالى، فحصلت له بعض إفاقة، فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض شموع، ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة، وآخرون بالمسجد يقرأون بالليل دلائل الخيرات للجذولى، ثم زاد الحال وانضم إليهم كثير من أهل البدع، كجماعة العفيفى، والسمان، والعربى، والعيسوية، فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له المنشدون القصائد والموالات، ومنهم من يقول أبياتًا من بردة المديح للبوصيرى، ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الأهواء ينسبون إلى شيخ من أهل المغرب يقال له: سيدى محمد بن عيسى، وطريقتهم أنهم


(١) انظر الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية، للدكتورة: فاطمة محجوب: (١٦/ ٢٨٥ - ٢٨٦ - ٢٨٧)، طبعة دار الغد - القاهرة. وانظر: الموسوعة الميسرة في الأديان: ٣٤٨.
(٢) صعيد مصر، نبيل الطوخى: ٧٦.

<<  <   >  >>