للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجلسون قبالة بعضهم صفين، ويقولون كلامًا معوجًا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها، وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون عليها (١).

وما هذا إلا غيض من فيض تلك الصور البدعية التي عمت بها أرجاء البلاد جملة وتفصيلًا.

ويذكر أنه تجاوز عدد الأضرحة التي يقصدها عامة الناس على الألف، من أشهرها ما يسمى بضريح السيد البدوى في طنطا، وضريح السيدة سكينة، وضريح السيدة نفيسة، وضريح السيدة زينب، وضريح الإمام الشافعي، وكل هذه الأضرحة قد بنى عليها جوامع ومساجد.

هذا وقد شهدت تلك الآونة إقبالًا كبيرًا من الملوك والأمراء على عمارة تلك المشاهد والمزارات، فقد كان الكثير منهم يسارع في القيام بهذه الأعمال لما فيه من إرضاء مشاعر الناس واكتساب مودتهم وولائهم، حيث صار التوسل بها من آكد العقائد في قلوب الشعب، ومن هنا فإن في تشييدها ما يضفى على سيطرتهم صبغة دينية تعزز مشروعية قيامهم بأعباء الحكم والولاية، حتى صار هذه الفعل علامة لا يكاد يشك في صدق دلالتها على صلاح وعدل فاعله.

ومع أن حماية البلاد الإسلامية من المد الشيعى كان من أبرز إيجابيات الدولة العثمانية ومواقفها المحمودة، إلا أن ذلك لم يكن مانعًا لها من الإبقاء على مودة الشيعة بتعمير مناطق العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، وتيسير زيارتها أمام شيعة العراق وفارس والهند وأفغانستان (٢).

ولم يقتصر بناء الأضرحة والمساجد على من عرف بالصلاح أو الشهرة، بل تعدى ذلك إلى عامة الناس حتى صار من قبيل السنن المعهودة، وقد صرح بذلك الجبرتى حين وصف ما قام به أحدهم عند وفاة قريبه، يقول: "وبنى لأخيه ضريحًا بداخل ذلك المسجد ونقله إليه وذلك سنة" (٣).


(١) عجائب الآثار: (٢/ ٢٤٢). وانظر: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، الدكتور: على الزهرانى (١/ ٢٩٨).
(٢) انظر: الدولة العثمانية في التاريخ الحديث، الدكتور/ إسماعيل ياغى: ٢٤٦.
(٣) عجائب الآثار: (١/ ٤٢٠).

<<  <   >  >>