والمغيبات، وينطق بما في النفوس، فانهمكوا على الترداد إليه، وقلد بعضهم بعضًا، وأقبلوا عليه بالهدايا والنذور والإمدادات الواسعة من كل شيء، وخصوصًا من نساء الأمراء والأكابر، وراج حال أخيه، واتسعت أمواله، ونفقت سلعته، وصادت شبكته، وسمن الشيخ من كثرة الأكل والدسومة والفراغ والراحة، حتى صار مثل البو العظيم، فلم يزل على ذلك إلى أن مات في سنة سبع بعد المائتين، فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع، وعمل عليه مقصورة ومقامًا، وواظب عنده بالمقرئين والمداحين والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم، ونحو ذلك، ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه، ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم، وصار ذلك المسجد مجمعًا وموعدًا (١).
وقد تعددت مظاهر الضعف الدينى في تلك الآونة، كنوع امتداد للتحلل العقدى الذي أصيب به المسلمون، فضعف عقيدة الولاء والبراء وغياب الدافع العقدى للقيام بالشعائر التعبدية والتى أصبحت عند الكثير بمثابة العادات والتقاليد الموروثة؛ قد أنتج صورًا مؤسفة من الخروج عن التعاليم والشعائر التعبدية كالحجاب مثلًا، وكما اشرت سابقًا عن حياة المرأة في تلك الآونة، وما كانت تعيشه من إهمال كان له أكبر الأثر في تخليها عن هذه الأحكام وسرعة انجرافها وراء تيار الغرب السافر.
يقول الجبرتى في وصف نساء المسلمين أيام الحملة الفرنسية:"لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة. . . فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل، فتداخلن مع الفرنسيس لخضوعهم للنساء، وبذل الأموال لهن .. حتى كثرت الفواحش من النساء لما حل بالمسلمين من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع خيرات الدنيا في حوز الفرنسيس، وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهم لهن" حتى آل الأمر بهن أن قبلن الزواج بالفرنسيس لمجرد
(١) عجائب الآثار: (٢/ ٣٠٥). وانظر: الحملة الفرنسية، محمد فؤاد شكرى: ٥٦٤.