للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نطقه بالشهادتين، وهنا يظهر التأثر بالفكر الإرجانى الذي عم البلاد، يقول: "وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجوهن، رغبة في سلطانهم ونوالهم، فيظهر حالة العقد الإسلام وينطق بالشهادتين، لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها" (١).

* * *

وقد أفرز هذا الضعف الذي مس الحالة الدينية للبلاد ضعفًا آخر، يعد امتدادًا لذلك الانحراف العقدى، وهو التقصير في جانب العلوم النافعة، وذلك في عدد من المجالات الحيوية المهمة، فإن ضيق الأفق الذي أحدثه سيطرة الفكر الصوفى على البلاد الإسلامية؛ جعل الاهتمام بإصلاح الحياة وعمارة الأرض محل إهمال من الحكام والمحكومين، مما أدى بدوره إلى ضعف الإنتاج وتهالك القوة العسكرية التي هي حصان للأمة من أطماع المستعمرين.

إن الدين الإسلامى الذي جاء ليحقق الهدف من إيجاد الله تعالى للثقلين بتطبيق مفهوم العبادة بالمعنى الذي أنزلت له الكتب، وبعثت من أجله الرسل، ليدعو إلى إعمال العقل، تلك الغريزة التي ميز الله بها المكلفين عن غيرهم في كل ما هو نافع ومفيد، يتأتى بتحصيله أسباب عمارة المدارين.

إذ المفهوم الشامل لحقيقة العبادة بكونها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، ليقضى بأن كل علم يتعلمه الإنسان يتحصل به مرضاة الرب من نفع العباد وتكميل مصالحهم هو من العبادات التي تقصد لذاتها.

ومن هنا فإن غياب هذه الحقيقة الخالدة عن المسلمين آنذاك، وانحصار مفهوم العبادة في الشعائر الظاهرة، بل وانتشار مذهب الإرجاء الذي يحكم على كل من صدق بالإيمان المنجى؛ كان سببًا أساسيًا في كل أنواع التخلف الفكرى والعلمى.

يقول الشيخ محمد قطب في بيان حقيقة ذلك التدهور الفكرى الذي عاشته الأمة المسلمة في تلك الآونة: "لقد قاد ذلك التخلف العقدى التدريجى، والذي حصر


(١) مظهر التقديس، للجبرتى: (٢/ ١٢٩).

<<  <   >  >>