للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبادة في الشعائر التعبدية وحدها، وأخرج منها بقية التكاليف، إلى حدوث ضمور تدريجى في جميع التكاليف التي كانت من قبل مرتبطة بالعقيدة، ومرتبطة بالمعنى الشامل للعبادة، وأصبحت أمورًا كمالية، إن شاء الإنسان قام بها، وإن شاء تركها بلا ضير. وكان طلب العلم والقراءة والتفكير من بين هذه التكاليف التي خرجت من حيز العبادة فأصابها الضمور، ثم جاء الفكر الإرجائى فربت على هذا التخلف ومنحه الشريعة القائمة على أنه لا يضر مع الإيمان شيء، وجاءت الصوفية فحصرت عمل العقل كله في أضيق نطاق ممكن، لتفسح المجال - في وهمها - لعمل الروح، وساعد الاستبداد السياسى على إحداث جمود شامل في جميع المجالات" (١).

ومن جهة أخرى، فإن الإهمال الذي لاقته الشعوب من الدولة العثمانية تجاه النواحى التعليمية أيضًا؛ مما أسهم في تدهور الحياة العلمية في تلك الآونة، فقد قامت السياسة العثمانية على عدم التدخل في شؤون خدمات المرافق مثل الصحة والتعليم والمواصلات، فكانت تتركها للجهود الفردية، والتى تمحور اهتمامها بدورها في تعليم الناس العلوم الدينية على ما آلت إليه من تفريط واضطراب في المناحى العقدية، كما كان للاقتصار على التعليم الدينى - تلك النظرة القاصرة التي أفرزها التخلف العقدى - دون التعليم الدنيوى الذي ينفع الناس في أمور معيشتهم كالطب والفيزياء والحساب، أسوء الأثر في تخلف الحياة العلمية من موكب الترقى الذي آل إليه الأوربيون في تلك المناحى (٢).

ودون إغفال للفضل الكبير الذي أسداه الأزهر الشريف لطلاب العلم في تلك الآونة، فقد كان الأزهر هو المعهد الوحيد الذي تدرس فيه العلوم، ولولاه - بعد فضل الله تعالى - لانطفأت آخر شعلة للعلم في مصر ومن بعدها العالم العربى. . .

فقد استطاع الأزهر بفضل الأوقاف العديدة التي وقفها عليه أغنياء المسلمين خلال عصره الطويل، وبفضل ما كان يتمتع به علماؤه من هيبة ومكانة، أن يحمى العلوم


(١) واقعنا المعاصر: ١٨٦.
(٢) انظر: صعيد مصر، نبيل الطوخى: ٩٠.

<<  <   >  >>