للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذب من استقامت أحواله بالصدق التام والعقل الراجح والخلق العظيم، فالصدق وهو أعظم ما يبحث عنه من أحوال مدعى النبوة تتأتى طرق معرفته من جهات متعددة بحيث يسهل التمييز في شأن من ادعاه كذبًا وزورًا ممن قامت أحواله به حتى استحق الاتصاف به على جهة العلمية كما كان شأن المصطفى - عليه الصلاة والسلام -.

هذا والقرآن الكريم في كثير من المواضع يلفت أنظار الممترين إلى كثير من الحقائق المعهودة في أحوال الرسل والتى امتزجت بها شخصيته - عليه الصلاة والسلام -، مما لا يدع لهم مجالًا للشك والتمادى في طرق الغواية بعيدًا عن الاعتراف بهذه الحقيقة الإيمانية، وفى ذلك كان قول حسان بن ثابت - رضي الله عنه -:

لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تأتيك بالخبر (١)

ثم إن في صفات الرسول الأخرى، كالخلق الرفيع والأمانة والنزاهة وإرادة الخير والبعد عن مواقع الريبة ما يجزم بصدقه فيما ادعاه، وبهذا استدلت السيدة خديجة - رضي الله عنها - على نبوته - عليه الصلاة والسلام - وردت عنه ما خالجه من ريبة في أمره، حيث قالت: "فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم, وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق" (٢)

يقول شيخ الإسلام في تعليقه على هذه المقولة العظيمة: "وقد علم من سنة الله أن من جبله الله على الأخلاق المحمودة، ونزهه عن الأخلاق المذمومة فإنه لا يخزيه، وأيضًا فالنبوة في الآدميين هي من عهد آدم - عليه السلام - فإنه كان نبيًا وكان بنوه يعلمون نبوته وأحواله بالاضطرار، وقد علم جنس ما يدعو إليه الرسل وجنس أحوالهم، فالمدعى للرسالة في زمن الإمكان إذا أتى بما ظهر به مخالفته


(١) ديوان حسان بن ثابت: ١/ ٤٨٢.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدأ الوحي - باب كيف كان بدأ الوحي، رقم الحديث: ٣.

<<  <   >  >>