للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للرسل علم أنه ليس منهم، وإذا أتى بما هو من خصائص الرسل علم أنه منهم لا سيما إذا علم أنه لا بد من رسول منتظر، وعلم أن لذلك الرسول صفات متعددة تميزه عمن سواه، فهذا قد يبلغ بصاحبه إلى العلم الضرورى بأن هذا هو الرسول المنتظر، لهذا قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٤٦] " (١)

وهذا هو مصداق قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] فإنه عز وجل قد هيأ لأمر الرسالة من علت أحوالهم البشرية حتى وصلوا إلى ذروة الكمال الممكن لها؛ وذلك بما اتصفوا به من عظيم الخلق وجمال الخلق، وقد قال تعالى في معرض امتنانه على أشرف خلقه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩].

ومعلوم أن في انفضاض الناس عن المرسل ما يقضى بانتفاء الغاية التي من أجلها كانت الرسالة؛ إذًا فانتفاء هذا الحال عنه فيه إشارة إلى أن أحوال الرسل محض عناية من الله تعالى، إذ يتوقف عليها القيام بأمر الرسالة من حيث التحمل والأداء، وعليه فإن انتظام هذه المقامات العالية في شخص ما مع ادعائه للنبوة في وقت إمكانها ليقضى بصدقه فيما ادعاه كما تقرر ذلك من دلائل نبوته - عليه الصلاة والسلام -. (٢)

ولا شك أن في انضمام هذا المسلك إلى المسلك الذي قبله ما يصل بالمتأمل فيهما إلى درجة اليقين, يقول الإمام ابن الوزير: "إن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة أوصافه، وقرائن أحواله لتفيد العلم الضرورى العادى وحدها، فإذا انضمت إلى المعجز محت الوسواس وأطفأته، كما يطفئ الماء النار" (٣).

ثالثًا: الاستدلال بحال الدعوة نفسها وهو في الحقيقة استدلال بالركائز التي يقوم عليها أمر الدعوة وما يترتب عليها من نتائج فعالة على الفرد والمجتمع، فإنه مما علم


(١) الأصفهانية: ١٦٢.
(٢) انظر: منهاج السنة: (٢/ ٤١٩ - ٤٢٠).
(٣) العواصم والقواصم، لابن الوزير: (١/ ٢٠٧).

<<  <   >  >>