للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما قوله في تحديد ماهيتها بأنها الجساسة أولًا، وفصيل ناقة صالح ثانيًا، ثم اعتماده القول الثاني، فمحل نظر.

حيث أوقف الإمام النووي خبر تفسير الدابة بالجساسة على عبد الرحمن بن عمرو بن العاص (١)، وهذا الصحابي الجليل كان يحدث عن أهل الكتاب وذلك بعد أن أصاب زاملتين يوم اليرموك، فلا يبعد أن تكونا مصدر ذلك القول، فلا يعول عليه عندئذ، أو يكون مما اجتهد فيه برأيه استنباطا من حديث الجساسة المعروف في صحيح مسلم وما كان كذلك مع عدم الموافق له من الصحابة الكرام وعدم ما يسنده من صحيح المنقول، فلا يعطى له حكم المرفوع؛ لأن ما قاله فيه مدخل للرأي.

أما القول الذي اعتمده الصاوي من أن الدابة هي فصيل الناقة، فليس له مستند من الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكره القرطبي (٢) معتمدًا إياه من رواية لا يصح الاستدلال بها سندًا ولا متنًا، أما من جهة المتن فحاصلها أنه قد ذكر فيها وصف الدابة بالرغاء الذي هو صوت الإبل (٣)، واعتقد القرطبي أن هذا فيه دلالة على كونها فصيل الناقة، مع أن حقيقة النص ليس فيها ما يدعم هذا الفهم للمتأمل.

أما من جهة السند؛ فقد ذكر هذه الرواية الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: "هذا الحديث رواه الطبراني، وفيه طلحة بن عمرو: متروك" (٤)

ورواها الحاكم في مستدركه، وقال: "صحيح الإسناد، وهو أبين حديث في ذكر الدابة ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي، فقال: طلحة يعني: ابن عمرو الحضرمي ضعفوه وتركه أحمد" (٥)


(١) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي: (١٨/ ٧٨).
(٢) انظر تفسير القرطبي: (١٣/ ٢٣٥).
(٣) الرواية رواها أبو داود الطيالسي في مسنده، عن طلحة بن عمرو قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة، فقال: لها ثلاث خرجات من الدهر فتخرج في أقصى البادية، ولا يدخل ذكرها القرية، يعني: مكة، ثم تكمن زمنا طويلا، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك، فيطو نكرها في أهل البادية، ويدخل ذكرها القرية، يعني: مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بينما الناس في أعظم المساجد حرمة، خيرها وأكرمها
المسجد الحرام، لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام، تتفض عن رأسها التراب ... إلى آخر الرواية: باب خروج الدابة والخسف الذي يكون في آخر الزمان، برقم: ٢٧٨٩: (٢/ ٢٢٠).
(٤) كتاب الفتن - باب خروج الدابة: (٨/ ٧)
(٥) انظر: تهذيب التهذيب: (٥/ ٢٣) ترجمة: ٣٨. وقد استفدت مطالعة هذه الأقوال من عدد من الدراسات المتعلقة بأشراط الساعة، منها: اتحاف الجماعة بما جاء في الفتن وأشراط الساعة، للشيخ: حمود التويجري

<<  <   >  >>