للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- رحمه الله - في معنى الآية الكريمة: "أي من شأنه ومما استأثر بعلمه دونكم، ولهذا قال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}؛ أي وما أطلعكم من علمه إلا على القليل، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى، والمعنى أن علمكم في علم الله قليل، وهذا الذي تسألون عنه - أمر الروح - مما استأثر به تعالى ولم يطلعكم عليه، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى" (١).

وهذا الاستئثار الذي تكلم عنه الإمام ابن كثير يعني أن علمها مما انفرد الله تعالى به، فليس باستطاعة أحد من البشر الإحاطة به، وعليه فلا يصح بحال نسبة هذا العلم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس في هذا ما يخل بمنزلته، بل هو وقوف عند حدود الشرع، وإعمال لنهى المصطفى - عليه الصلاة والسلام - عن الغلو والإطراء المنهى عنه.

وحقيقة ذلك أن ما أخفاه المولى تعالى من العلوم التي انفرد بها تختلف علة ذلك الإخفاء، إذ من المعلوم أن كل ما يقدره المولى فهو لحكمة بالغة، وكانت الروح من جملة ما أخفاه المولى لحكمة يعلمها، قد تكون لانعدام المستقبل لإدراكها في المقدور البشرى، ويلفت الانتباه شيخ الإسلام - رحمه الله - إلى هذه الحقيقة، وذلك في تعليقه على سبب نزولها (٢)، يقول - رحمه الله -: "فبين بذلك أن ملك الرب عظيم، وجنوده وصفة ذلك وقدرته أعظم من أن يحيط به الآدميون، وهم لم يؤتوا من العلم إلا قليلًا، فلا يظن من يدعى العلم أنه يمكنه أن يعلم كل ما سئل عنه، ولا كل ما في الوجود، فما يعلم جنود ربك إلا هو". (٣)

ومع كل ما تقدم، فليس الخبر معناه أن كل ما يتعلق بالروح مما لا يمكن إدراكه، ولكن الخبر هنا متجه إلى ما أخفاه الشارع الحكيم، أما ما دلت عليه نصوص


(١) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: (٣/ ٨٥).
(٢) وذلك أنه كما ورد في الصحيح أنه - عليه الصلاة والسلام - مر بنفر من اليهود فسألوه عن الروح فنزلت عليه هذه الآية. انظر: الحديث في صحيح البخاري: كتاب العلم - باب قوله الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، رقم الحديث: ١٢٥.
(٣) مجموع الفتاوى: (٤/ ٢٣١).

<<  <   >  >>