للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن تسمية الروح بالنفس، فالحق في هذا ما بينه شيخ الإسلام بوجود نوع اشتراك بينهما؛ يؤيده إطلاق النفس على الروح في عدد من المواضع التي وردت في حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، "ودلائل هذا الأصل، وبيان مسمى الروح، والنفس، وما فيه من الاشتراك كثير" (١) في القرآن والسنة، وقد أوضح هذه المسألة الإمام ابن كثير؛ من أنها "ذات لطيفة كالهواء، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر، وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم، فهى إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء، كما أن الماء هو حياة الشجر ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسمًا خاصًا، فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار إما مصطارًا أو خمرًا، ولا يقال له ماء حينئذ إلا على سبيل المجاز، وكذا لا يقال للنفس روح إلا على هذا النحو، وكذا لا يقال للروح نفس إلا باعتبار ما تؤول إليه، فحاصل ما نقول: إن الروح هي أصل النفس ومادتها، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن، فهى هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن، والله أعلم" (٢).

أما عن علاقة الروح بالجسد بعد الموت، فالعلماء على أن لها اتصالًا به بعد مفارقتها إياه؛ فالنعيم والعذاب يقع على الروح مع الجسد بيان ذلك "أن الله سبحانه جعل الدور ثلاثًا: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وجعل لكل دار أحكامًا تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام دار الدنيا على الأبدان، والأرواح تبعًا لها، لهذا جعل أحكامه الشرعية مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح؛ وإن أضمرت النفوس خلافه، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبعًا لها؛ فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا؛ فتألمت بألمها والتذت براحتها، وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب، تبعت الأبدان الأرواح في نعيمها وعذابها، والأرواح حينئذ هي التي تباشر العذاب


(١) مجموع الفتاوى: (٤/ ٢٣٠).
(٢) عزاه ابن كثير إلى السهلي، انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: (٣/ ٨٥).

<<  <   >  >>