والنعيم، فالأبدان هنا ظاهرة، والأرواح خفية، والأبدان كالقبور لها، والارواح هناك ظاهرة، والأبدان خفية في قبورها تجرى أحكام البرزخ على الأرواح، فتسرى إلى أبدانها نعيمًا أو عذابًا؛ كما تجرى أحكام الدنيا على الأبدان، فتسرى إلى أرواحها نعيمًا أو عذابًا"
فالصاوى هنا يوافق القول الراجح في المسألة، وقد ضرب لذلك الاتصال الغيبى مثالًا باتصال مشاهد حسى، "فقد أرانا الله سبحانه بلطفه ورحمته وهدايته من ذلك أنموذجًا في الدنيا من حال النائم؛ فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجرى على روحه أصلًا والبدن تبع له، وقد يقوى حتى يؤثر الروح على البدن تأثيرًا مشاهدًا؛ فيرى النائم في نومه أنه ضرب؛ فيصبح وأثر الضرب في جسمه، ويرى أنه قد أكل أو شرب؛ فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في فيه، ويذهب عنه الجوع والظمأ.
وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم في نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك، وذلك أن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه، ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس؛ فإذا كانت الروح تتألم وتتنعم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع، فهكذا في البرزخ بل أعظم فإن تجرد الروح هنالك أكمل وأقوى، وهى متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الانقطاع". (١)
ومع ذلك فقد وقع الصاوي في خطأ جسيم؛ حين مثل لتلك العلاقة أيضًا بحال الولى الذي يكون في مكان فتجوب روحه في الكون تصريفًا وتدبيرًا، فإن هذا محض وهم لا حقيقة له أفرزه غلو المتصوفة في مشايخهم، وهو أساس انحرافهم في مقتضيات الولاية، حيث بنوا على مثل هذه الأوهام صرف أنواع من العبادة التي لا تجوز إلا لله تعالى كالتوسل والدعاء والملاحظة، وقد أسلفت الحديث في مبحث التوحيد، وللأهمية هنا؛ فإنه يحسن التأكيد على ما سبق من أن اعتقاد التصريف لغير الله تعالى فيه قدح في الإيمان بربوبية الله تعالى، فالله عز وجل وحده الذي يدبر أمر العباد ويصرف شؤونهم لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه فهو الرب القيوم،