للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصير له وجودًا مجسدًا يوم القيامة (١)، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن البقرة، وآل عمران يجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان". (٢)

وشيخ الإسلام - رحمه الله - عند عرضه لحقيقة العلاقة بين الموت والحياة لم يرجح أحد القولين على الآخر؛ في كون الموت وجوديًا، أو عدميًا، واكتفى بإثبات أنه مقابل للحياة، حيث أرجع النزاع الوارد إلى نوع من النزاع اللفظي الذي لا ثمرة له حقيقية، وذلك لأنه يمكن القول بأن الموت أمر وجودى لتعلق صفة الخلق به، ويمكن أن يكون أمرًا عدميًا فيكون خلقه بمعنى خلق الأعراض المضادة للحياة، يقول: "فإنا نعلم بالحس أن الحركة أمر وجودى، كما نعلم أن الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر أمر وجودى، وأما كون ما يقابل ذلك هو ضد ما ينافيها أو عدمها من محلها فهذا فيه نظر، ولهذا تنازع العقلاء في هذا دون الأول، وكثير من النزاع في ذلك يكون لفظيًا، فإنه قد يكون عدم الشيء مستلزمًا لأمر وجودى، مثل الحياة مثلًا، فإن عدم حياة البدن مثلًا مستلزمًا لأعراض وجودية.

والناس تنازعوا في الموت: هل هو عدمى أو وجودى؟ ومن قال: إنه وجودى، احتج بقوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ٢] فاخبر أنه خلق الموت، كما خلق الحياة، ومنازعه يقول: العدم الطارئ يخلق كما يخلق الوجود، أو يقول: الموت المخلوق هو الأمور الوجودية اللازمة لعدم الحياة، وحينئذ فالنزاع لفظي" (٣)

* * *

الثانية: حكم الموت:

فقد أفاد تقريره بوجوب الإيمان بالموت أنه لا يستثنى من عمومه أحد، حتى


(١) انظر: شرح الحديث السابق لابن حجر في فتح الباري: (١١/ ٤٢١).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة: (٦/ ٩٠).
(٣) درء التعارض: (١/ ٤١١).

<<  <   >  >>