للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنبياء والمرسلين، ولكنه عند حكايته لقصة موسى مع الخضر - عليهما السلام - خالف ما ذهب إليه آنفًا، وحكى إجماع الجمهور على بقاء الخضر حيًا، بل واجتماع الأولياء معه، وقد اعتمد في سبب خلوده أنه شرب من ماء الحياة، والصحيح في هذه المسألة أنه لم يثبت في شربه خبرًا صحيحًا يسلم له (١).

أما عن اجتماعه بالأولياء فهذا من ترهات الصوفية، وقد سئل شيخ الإسلام - رحمه الله - عن ذلك فقال لا يبعد أن يكون شيطانًا، وسيأتي بيانه.

وعليه فلا حجة للقائلين ببقائه، بل هناك نصوص كثيرة تناقض ما ذهبوا إليه، منها ما أورده البخاري في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة، لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد) (٢)

وعند شرح الحافظ ابن حجر - رحمه الله - للحديث، أورد كلام من احتج به، وشبهة المخالف لذلك، حيث قال: "قال النووي وغيره: احتج البخاري ومن قال بقوله بهذا الحديث على موت الخضر، والجمهور على خلافه، وأجابوا عنه بأن الخضر كان حينئذ من ساكنى البحر، فلم يدخل في الحديث" (٣)

وهذه الشبهة التي يستند إليها من ذهب إلى بقائه لا أصل لها من عقل ولا نقل، إذ البحر كما هو معلوم لا يخرج عن كونه فوق ظهر الأرض لذا فإن "الذي عليه أهل التحقيق أن الخضر قد مات قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأدلة كثيرة معروفة في محلها، ولو كان حيًا في حياة نبينا لدخل في هذا الحديث، وكان ممن أتى عليه الموت قبل رأس المائة" (٤)

وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام - رحمه الله - حيث قال: "الذي عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة وحتى عزرائيل ملك الموت" (٥)


(١) انظر: ما أورده الحافظ ابن حجر، وعزاه إلى خيثمة بن سليمان من طريق جعفر الصادق عن أبيه، وقد عرف بانقطاعه: (٦/ ٤٣٤).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء، رقم الحديث: ٦٠١.
(٣) فتح الباري: (٢/ ٧٥).
(٤) المرجع السابق: تعليق الشيخ عبد العزيز بن باز على الحديث في فتح الباري.
(٥) مجموع الفتاوى (٤/ ٢٥٩). وانظر: الجواب الصحيح: (٢/ ٣٣٥). وانظر: منهاج السنة: (٤/ ٦٤).

<<  <   >  >>