للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على تبديل الأرض غير الأرض والسموات، وعلى تشقق السماء وانفطارها، وتكوير الشمس وانتثار الكواكب، ويسجر البحار، وإنزال المطر على أجزاء بنى آدم المختلطة بالتراب؛ فينبتون كما ينبت النبات، وترد تلك الأرواح بعينها إلى تلك الأجساد، التي أحيلت ثم، أنشئت نشاة أخرى "إلى أن يقول: فهذا الذي أخبر به القرآن والسنة، ولا سبيل لأحد من الملاحدة الفلاسفة وغيرهم إلى الاعتراض على هذا المعاد، الذي جاءت به الرسل بحرف واحد، وإنما اعتراضهم على المعاد الذي عليه طائفة من المتكلمين؛ أن الرسل جاءوا به وهو أن الله يعدم أجزاء العالم العلوى والسفلى كلها، فيجعلها عدمًا محضًا، ثم يعيد ذلك العدم وجودًا (١).

أما الذي عليه المتكلمون في إدراك حقيقة البعث بأنه الجمع للمتفرق؛ إنما تحصل نتيجة لموقفهم من الخلق ابتداءً "فإن معرفة المعاد مبنية على معرفة المبدأ، والبعث مبنى على الخلق" (٢).

فإنهم لما أرادوا أن يستدلوا لحدوث الخلق في مقابل اعتقاد الفلاسفة بقدمه قسموا العالم إلى جواهر وأعراض، وعرفوا الجوهر بأنه القائم بنفسه، والعرض ما قام بغيره، ثم أثبتوا حدوث الأعراض لملازمة التغيير لها، وحتى يصلوا إلى إثبات حدوث الجواهر قالوا بأصلهم الفاسد كل ما لا يخلو من الأعراض فهو حادث، فإن حقيقة اعتقادهم بالخلق المتجدد يؤول إلى إحداث الأعراض وإزالتها، أما الجواهر فهى باقية لم يحدث فيها إيجاد وإعدام بعد خلقه لها أول مرة من العدم، كما هو معلوم من اعتقادهم بامتناع حوادث لا أول لها، وهذا أصل قولهم بأن المعاد: هو تفريق تلك الأجزاء ثم جمعها، وهى باقية بأعيانها.

أما من قال بالإعادة من العدم فإنه يقول: "بل يعدمها ويعدم الأعراض القائمة بها ثم يعيدها".

وقد بين شيخ الإسلام - رحمه الله - فساد كلا القولين، فأبطل أصل معتقدهم ببقاء الجواهر، وأظهر ما فيه من سوء اعتقاد وقلة علم بما يجب لله تعالى من تعظيم


(١) مفتاح دار السعادة: (٢/ ٣٥). وانظر: شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي: ٤٦٤.
(٢) النبوات: ١٠٤.

<<  <   >  >>