للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الحساب؛ ففى استثناء الأنبياء منه مع هؤلاء السبعين ألفًا خلاف بين العلماء، فالذين ذهبوا إلى أن الحساب لا يستثنى منه أحد؛ احتجوا بقوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: ٦]؛ على عموم الحساب في حق كل أحد، والحق أنه مع ثبوت السؤال، فليس فيه ما يثبت الحساب؛ لأنه تعالى إنما يسألهم ليحق الحق، ويظهر تمام براءة الرسل، وعظيم جرم الكافرين، يقول الرازي: "فإن قيل: ما الفائدة في سؤال الرسل مع العلم بأنه لم يصدر عنهم تقصير البتة؟ ، قلنا: لأنهم إذا أثبتوا أنه لم يصدر عنهم تقصير البتة، التحق التقصير بكليته بالأمة، فيتضاعف إكرام الله في حق الرسل؛ لظهور براءتهم عن جميع موجبات التقصير، ويتضاعف أسباب الخزى والإهانة في حق الكفار؛ لما ثبت أن كل التقصير كان منهم" (١).

وفي توجيه رأى من ذهب إلى عدم استثناء أحد من المسألة بموجب هذه الآية الكريمة؛ يكون الحساب المنفى عن الأنبياء ما كان على هيئته المعلومة، حيث يكون جهة المناقشة والتقريع".

لأن "الأنبياء لا حساب عليهم، وكذلك أطفال المؤمنين، وكذلك العشرة المبشرون بالجنة" (٢).

- ومما يتفرع عن الحساب الوزن وزمانه، يرى الصاوي أنه يكون بعد الحساب، يقول القرطبي: "قال العلماء إذا انقضى الحساب كان بعده الوزن؛ لأن الوزن للجزاء فينبغى أن يكون بعد المحاسبة, فإن المحاسبة لتقدير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها" (٣).

هذا "وإثبات ميزان الآخرة مذهب الفرقة الناجية القاهرة، ومن خالفهم رمى بمخالفة الشريعة، ونبز بالبدعة الشنيعة" (٤).


(١) التفسير الكبير: (١٤/ ٢٣).
(٢) لوامع الأنوار: (٢/ ١٧٥).
(٣) التذكرة: (٢/ ١٠).
(٤) منهاج السلامة في ميزان القيامة، للحافط محمد بن أبي بكر القيسي: ١٣٠.

<<  <   >  >>