للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن حقيقة الميزان؛ فقد وردت أقوال عدة في بيان ماهيته، فالراجح عند السلف أنه ميزان حقيقي حسى توزن به الأعمال، والبعض من أهل العلم فسره بالعدل، وقال: هو كناية عن إرادته، وقد عزا القرطبي هذا القول إلى مجاهد، والضحاك، والأعمش، والصحيح ما عليه الجمهور، كما أشار إلى ذلك القرطبي، وقد استدل شيخ الإسلام - رحمه الله - على أنه ميزان حقيقى حسي بالأخبار التي وردت في وزنه الأعمال، يقول: "الميزان هو ما يوزن به الأعمال، وهو غير العدل كما دل على ذلك الكتاب والسنة، مثل قوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} وقوله {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}.

وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده) (١)، وقال عن ساقى عبد الله بن مسعود: (لهما في الميزان أثقل من أحد)، وهذا وأمثاله مما يبين أن الاعمال توزن بموازين؛ تبين بها رجحان الحسنات على السيئات وبالعكس، فهو ما به تبين العدل، والمقصود بالوزن العدل، كموازين الدنيا".

وبعد ذلك بين - رحمه الله - أن كيفية وزن الأعمال به مما لا علم بحقيقته، يقول: "أما كيفية تلك الموازين فهو بمنزلة كيفية سائر ما أخبرنا به من الغيب" (٢).

وهذا البيان منه - رحمه الله - كافٍ في الإجابة على اعتراض من اعترض باستحالة وزن الأعراض، إلى غير ذلك مما ذكره الصاوي؛ نقلًا عن القرطبي في كتابه التذكرة (٣).

أما ما ذكره الصاوي متابعًا القرطبي في كون كفة الحسنات من نور والأخرى من ظلام؛ فلم أقف على عزو هذه الأقوال، والله أعلم.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الدعوات - باب فضل التسبيح، رقم الحديث: ٦٠٤٦.
(٢) مجموع الفتاوى: (٤/ ٣٠٢).
(٣) (٢/ ١٦).

<<  <   >  >>