للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحوض والصراط:

وردت أدلة كثيرة عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - في بيان صفة الحوض (١) منها ما أورده الصاوي، وكلها تفيد أنه من نعم الله الجليلة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وعلى أمته من بعده قد اختصت به، وأنه لا يشرب منه من خرج على اتباع المصطفى، وانساق وراء الأهواء والشبه، وقد أورد الصاوي في تقرير ما ورد فيه مسألتين، وهما: ومن وروده للشرب منه، الثانية: حال رواده.

فقد ذكر الصاوي اختلاف العلماء في زمن الشرب من الحوض، ورأى أن ذلك مما لا يضر الجهل به وهذا صحيح، وقد أورد القرطبي وابن حجر أقوال العلماء في ذلك (٢) والذي يظهر أن ما ذهب إليه القرطبي أصح ما قيل في ذلك، فقد ذهب - رحمه الله - إلى أن الحوض يكون قبل الصراط، واستدل بحديث البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بينما أنا قائم على الحوض إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بينى وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بينى وبينهم، فقال: هلم، قلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) (٣) يقول في وجه الاستدلال به: "فهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط؛ لأن الصراط إنما هو جسر على جهنم ممدود يجاز عليه، فمن جازه سلم من النار" (٤)

بقيت مسألة مهمة؛ وهي حال الناس مع الحوض في ورودهم إياه؛ فقد وردت أدلة كثيرة تفيد أن الحوض ترده أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يرد عنه أهل الابتداع منهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إني فرطكم على الحوض، من مر على شرب، ومن شرب لم يظمأ


(١) انظر: مرويات الصحابة - رضي الله عنهم - في الحوض والكوثر. جمع عبد القادر بن محمد عطا صوفي.
(٢) انظر: التذكرة: (١/ ٤٥٧). وفتح الباري: (١١/ ٤٦٦).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق - باب في الحوض، رقم الحديث: ٦٥٨٧.
(٤) التذكرة: (١/ ٤٥٨).

<<  <   >  >>