للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحقيقة ما تقدم في إثبات الأثر أنه لا يمكن بحال التفريق بين أفعال العبد الاختيارية والاضطرارية؛ إلا مع إثبات تأثير لقدرة العبد في وجود الفعل، وهذا ما عليه مذهب أهل السنة والجماعة، ومع ذلك فإن هذا التأثير ليس على جهة الخلق والإيجاد، التي تقضى بالاستقلال في وجود الفعل وإخراجه من حيز العدم، وإنما على جهة السببية التي ترجع إلى مسبب الأسباب وحده جل في علاه، وليس في هذا أي تناقض كما يتصور الأشاعرة، بل المناقضة في مخالفة ذلك، يقربه أنه كما أثبتم للعبد قدرة حادثة ليس في إثباتها منازعة للقدرة القديمة؛ فليس بممتنع أن يثبت لهذه القدرة تأثيرًا حادثًا في وجود الفعل، ليس له استقلال في ذلك، أما نفى التأثير عن القدرة فهو حكم بعدمها، فالمعقول من القدرة معنى به يفعل الفاعل، ولا تثبت قدرة لغير فاعل، ولا قدرة يكون وجودها وعدمها بالنسبة إلى الفاعل سواء" (١).

وأساس هذا إثبات السببية على جهة الحقيقة، وأن في الأسباب قوة أوجدها الله تعالى فيها، تستمد منها وجودها وفاعليتها، والمذهب الأشعري في نفيه للأسباب يغالط مبدأ من أسمى مبادئ التفكير الإنسانى، الذي وهبه الله تعالى للعقل البشرى، والذي يعد الدليل الأول، والمقدمة الأولى، التي لا نزاع في التسليم لها؛ للاستدلال على وجوده سبحانه.

وهذا ما قدمته سابقًا في الحديث عن أدلة إثبات وجود الله تعالى؛ لذا كان التشكيك في هذه المسلمة؛ من أهم ما يرمى إليه أعداء الدين من الملاحدة، وحتى لا يخرج بى الكلام عن المقام؛ أقول أن الطعن في هذا الأساس والركيزة الفطرية المسلمة ليس له أساس من الصحة يعتمد عليه، وكل ما هنالك أن هذا التصرف من الشيغ الأشعري - عليه رحمة الله تعالى -؛ كان من قبيل ردود الأفعال ضد الغلاة في مطالعة الأسباب من القدرية أو الفلاسفة المنتسبين؛ حتى أدى بهم ذلك إلى أن أثبتوا لها الإحداث على جهة الاستقلال، وهذا ما لا يقول به السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم -، وكثيرًا ما يؤكد الإمام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن


(١) الفتاوى: (٨٤٦٨).

<<  <   >  >>