للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القيم على حقيقة السبب في المنظور الشرعي، وأنه غير كافٍ في ترتب مقتضاه على وجوده حتى تتحقق له الشروط وتنتفى الموانع، وكل ذلك لا يكون إلا بإرادة المولى ومشيئته النافذة.

وهذا ما يفسر به الأئمة ما حدث عند إلقاء الخليل - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم - في النار؛ فإن النار سبب للإحراق، ولكن لما أن أراد المولى تعالى إبطال السبب لعدم توفر شرط إعماله من مشيئة الله تعالى النافذة، كان ما كان من تحويل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم - عليه السلام -، وهذا ما يقال أيضًا في قصة الخليل مع ابنه إسماعيل - عليه السلام -، ولا داعى لمعارضة الأحكام الكونية بمثل هذه التأويلات المخالفة للعقل والشرع.

وبذلك تنتفى حجة الأشاعرة في نفى التأثير عن قدرة العبد؛ فمع الأخذ بمفهوم السببية كما قرره السلف - رضوان الله عليهم -، وما يترتب عليه من نسبة التأثير على جهة الحقيقة الحادثة لا على جهة الخلق والإحداث؛ لم يعد للأشعرية حجة في نفى السبب عقلًا ولا شرعًا.

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - مفصلًا منهج السلف الكرام في قضية السبب: "الذي عليه السلف وأتباعهم، وأئمة أهل السنة وجمهور الإسلام المثبتون للقدر المخالفون للمعتزلة إثبات الأسباب، وأن قدرة العبد مع فعله لها تأثير كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها، والله تعالى خلق الأسباب والمسببات، والأسباب ليست مستقلة بالمسببات، بل لا بد لها من أسباب أخر تعاونها، ولها مع ذلك أضداد تمانعها، والمسبب لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه، ويدفع عنه أضداده المعارضة له، وهو سبحانه يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته، كما يخلق سائر المخلوقات، فقدرة العبد سبب من الأسباب، وفعل العبد لا يكون بها وحدها، بل لا بد من الإرادة الجازمة مع القدرة. ." (١).


(١) مجموع الفتاوى: (٨/ ٤٨٧).

<<  <   >  >>