للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما المحور الثاني في مناقشتهم؛ وهو عدم تفريقهم بين الخلق والمخلوق والفعل والمفعول؛ فهذا أيضًا مما لبس عليهم فيه، وخلطوا نتيجة لذلك بين حق وباطل، فالله تعالى خالق لأفعال العباد، موجد لها من العدم؛ فتنسب إلى أفعاله من جهة الخلق كباقى المخلوقات، ولا تنسب إلى أفعاله من حيث قيام الوصف به.

ولذا كان الصحيح في المسألة ما ذكره شيخ الإسلام في التفريق بين الفعل والمفعول، فالفعل للعبد وهو الانفعال في المراد، والمفعول بمعنى المخلوق هو لله تعالى، يقول: "وأما الجمهور الذين يفرقون بين هذا وهذا، فيقولون هذه مخلوقة لله مفعولة لله ليست هي نفس فعله، وأما العبد فهى فعله القائم به، وهى أيضًا مفعولة له إذا أريد بالفعل المفعول" (١) وهذا "إجماع من أهل السنة حكاه الحسين بن مسعود البغوي (٢) وغيره، فالعبد فعله حقيقة، والله خالقه وخالق ما فعل به من القدرة والإرادة وخالق فاعليته" (٣).

وبهذا يتضح معنى الكسب المذكور في قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦] ويكون المعنى الذي أراده الأشعرية للكسب من جملة المستحيلات، لأنه لا يعقل فرق بين الفعل الذي نفاه والكسب الذي أثبته" لذا قال الناس: "عجائب الكلام ثلاثة: طفرة النظام، وأحوال أبى هاشم، وكسب الاشعرى" (٤).

وكان هذا الضلال الذي وقع في الأشعرية نتيجة لهذا الخلط المشين بين فعل الله تعالى وفعل العبد أساسًا اعتمده المتصوفة في التفريق بين الحقيقة والشريعة، والذي


(١) مجموع الفتاوى: (٨/ ١٢٢).
(٢) هو الإمام الهمام أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الفقيه الشافعي المحدث المفسر، صنف في التفسير وروى الحديث وأبان المشكلات ومن كتبه: معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم، وشرح السنة وغيرهما، توفى سنة: ٥١٠ هـ. انظر: وفيات الأعيان: (٢/ ١٣٦)، وسير أعلام النبلاء: (١٩/ ٤٣٩).
(٣) شفاء العليل: ٢٢٣.
(٤) النبوات لشيخ الإسلام: ١٩٩.

<<  <   >  >>