للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تفاوت الصحابة في مسائل الحساب والمغفرة، مما يدل على ذلك حديث الصحيحين الذي بشر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بدخول طائفة من أمته الجنة بلا حساب أو عقاب، فعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حديث عرض الأمم عليه: (فإذا سواد عظيم. فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله. وذكروا أشياء. فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه. فقال: هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن. فقال: ادع الله أن يجعلنى منهم. فقال: أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلنى منهم. فقال: سبقك بها عكاشة)

فدلالة الحديث على تفاوت الصحابة في هذه المسائل واضحة جلية من جهتين الأولى، أنه سمع اجتهادهم في معرفة هذه الطائفة؛ وقد كان من جملة ما ظهر لهم، أنهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك لم يقرهم على شيء مما ظنوه، وبين عليه الصلاة والسلام الصفات التي أكرمهم بها المولى تعالى وجازاهم لاتصافهم بها دخول الجنة بلا حساب أو عقاب (١)، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الوصف الذي يستحق به هؤلاء دخول الجنة بغير حساب هو تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون والطيرة نوع من الشرك ويتوكلون على الله وحده لا على غيره (٢).


(١) صحيح البخاري كتاب: كتاب الطب: باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو رقم الحديث: ٥٣٧٨، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم الحديث: ٥٢٦. واللفظ لمسلم.
(٢) حادى الأرواح، لابن القيم: ٨٩.

<<  <   >  >>