للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الثانية؛ فقد شهد النبي - عليه الصلاة والسلام - لعكاشة بكونه منهم مع أنه توقف فيمن طلب أن يدعو له بذلك (١).

والذي يظهر تفاوت الصحابة في هذه المسائل لتوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشهادة لأحد سوى من أوحى إليه أنه توفرت فيه ما ذكر من الصفات.

ويحسن هنا بعد بيان المسألة إجمالًا أن ينبه إلى أنه قد يكون ممن يحاسب ويبقى مدة بعد دخول هؤلاء الجنة في عرضات القيامة من هو خيرًا منهم وأن هذا التفضيل لهذه الخصلة وليس تفضيلًا شاملًا عامًا، يقول شيخ الإسلام - رحمة الله -: "فالفقراء متقدمون في دخول الجنة لخفة الحساب عليهم، والأغنياء مؤخرون لأجل الحساب، ثم إذا حوسب أحدهم فإن كانت حسناته أعظم من حسنات الفقير كانت درجته في الجنة فوقه، وإن تأخر في الدخول.

كما أن السبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ومنهم عكاشة بن محصن، وقد يدخل الجنة بحساب من يكون أفضل منهم".

ومما تقدم يتبين أن نفى العذاب عن أجمعهم مطلقًا مما يحتاج لدليل، لأن في إثبات أصل الحساب ودخولهم في عمومه ما ينافى ذلك، فالحساب على درجات وقد ثبت من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من نوقش الحساب عذب) (٢) وهذا من حيث الإجمال، أما وقد ثبت بالأدلة الصحيحة استحقاق العذاب على بعضهم ممن ثبتت له عموم الصحبة ممن هو دون المشهورين أصحاب الفضل والسابقة؛ فلا حجة


(١) وقد كان للعلماء في سبب توقفه - عليه الصلاة والسلام - عددًا من الأجوبة، منها أن السائل كان أحد المنافقين، أو أنه سأله ولم يكن صادقًا بقلبه، أو أنه لم يوح إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - إلا بشأن عكاشة، أو أنها كانت ساعة إجابة وانتهت بدعائه - عليه الصلاة والسلام - له، أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بذلك حسم المادة حتى لا يطلبها من ليس أهلًا لها.
وقد ضعف الحافظ ابن حجر القول بأنه كان أحد المنافقين؛ "لوجهين: أحدهما: أن الأصل في الصحابة عدم النفاق فلا يثبت ما يخالف ذلك إلا بنقل صحيح.
الثاني: أنه قل أن يصدر مثل هذا السؤال إلا عن قصد صحيح ويقين بتصديق الرسول، وكيف يصدر ذلك من منافق: فتح الباري: (١١/ ٤١٢ - ٤١٣).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق - باب من نوقش الحساب عذب، رقم الحديث: ٦١٧١.

<<  <   >  >>