للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليهودى، الذي تظاهر بالإسلام في أثناء خلافة عثمان - رضي الله عنه -، حيث قام بإيغار قلوب عماله عليه، وذلك بمساعدة أتباعه الذين أطلق عليهم مسمى السبئية، حتى تمخض عن ذلك الحشد النفسى على الخليفة الراشد حشدًا حقيقيًا مجندًا، أدى إلى مقتله على حين غرة، غدرًا في منزله - رضى الله تعالى عنه وأرضاه -.

أقول لقد كان لهذا الحادث الأليم أثر بالغ، بل هو الدافع الأول لحدوث التخاصم بين الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين -، حيث اختلفت الآراء وتباينت في كيفية معالجة الوضع الراهن.

فقد طالب الصحابة الخليفة الرابع: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه - بأخذ القود لعثمان - رضي الله عنه -، المقتول ظلمًا وغدرًا.

ولكن علي - رضي الله عنه -، وهو الفطن الحكيم، تريث في الأمر وطلب المهلة ريثما تحين الفرصة المناسبة فيتمكن من القبض على هذه العصابة الآثمة دون إحداث أمر يؤدى بدوره إلى بث الفرقة، خصوصًا والخلافة لم تحكم قبضتها بعد على أطراف الدولة المترامية (١).

ومع هذا الموقف المتأنى منه - رضي الله عنه -، لم يطق بعض الصحابة الصبر لما حدث للخليفة المقتول غدرًا - رضي الله عنه -، فامتنعوا عن المبايعة حتى يتم الأخذ بالثأر خوفًا من أن يهدر دمه ويصعب معرفة قاتليه (٢).

وهكذا أخذ الخلاف بالتبلور متجهًا نحو الشدة والسيطرة، حتى استقر الأمر على انشقاق الصف إلى فرقتين: واحدة يتزعمها الصحابى الجليل على، وواحدة يتزعمها معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -، واستمر الخلاف إلى أن نشبت بين صفوف هاتين الفئتين حروبًا عظيمة، قيل: إن عدد الذين قتلوا فيها فاق عدد شهداء معارك الفتوح الإسلامية بأسرها إبان الخلافة الراشدة.


(١) البداية والنهاية، لابن كثير: (٧/ ٢٤٨ - ٢٤٩).
(٢) تاريخ الطبري (٤/ ٤٤٤). وانظر: البداية والنهاية: (٧/ ٢٨٣).

<<  <   >  >>