للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن خلال تلك الاحداث الجسام، التي فتت في عضد الأمة الإسلامية سنح للمغرضين فرص كثيرة، يدسون فيها الأقاويل الكاذبة، والافتراءات المحضة على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأظهروهم في كثير من المواقف الحرجة بمظهر لا يليق بهم، وهم الذين اصطفاهم المولى تعالى؛ ليكونوا أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ورافعى لواء الإسلام من بعده.

ودون خوض في آحاد تلك الحوادث الجسام، التي هتكت أمن الأمة الإسلامية دهرًا من الزمن، يمكن التخلص إلى أن حقيقة الخلاف إنما نشأ عن اجتهاد وإعمال الرأى، وعليه فلا تثريب على أحد من الفئتين، لأنه كما قال الصاوي مستدلًا بالحديث الشريف: ليس على المجتهد المخطئ ذنب، فقد قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) (١).

وكان هذا المبدأ هو أحد الأصول التي قام عليها معتقد السنة والجماعة في تعظيم الصحابة وإجلالهم وعدم الوقوع في أعراضهم؛ بسبب ذلك التخاصم الذي حدث بينهم، وليس لأحد أن يعترض، فيقول أن أمر الدماء ليس كغيرها، فإن المولى تعالى لم ينزع عن الفئتين المتقاتلتين وصف الإيمان بل أمر بالإصلاح بينهما، قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩].

وهذا ما شهد به الخليفة الراشد علي - رضي الله عنه - للقتلى من الفريقين، حيث قال حين سئل عن قتلى معركة صفين: "قتلانا وقتلاهم في الجنة" (٢).

وعليه فإن إعمال الأصل الأول في الحكم على الصحابة وهو اعتقاد فضلهم وما ترتب على ذلك من شهادة المولى تعالى لهم بالرضوان الموجب لدخول الجنة، هو أهم المبادئ التي يستند إليها في التغاضى عما بدر منهم في عهد الفتن.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الاعتصام بالسنة - باب أجر الحاكم إذا اجتهد، رقم الحديث: ٧٣٥٢.
(٢) سير أعلام النبلاء: (٣/ ١٤٤).

<<  <   >  >>