للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن الأحاديث التي وردت في تحريم الوقوع في أعراضهم، والنهى عن كل ما ينقص من قدرهم؛ لتدل دلالة صريحة لا يمكن معها إلا التوقف والإمساك عن الخوض في التخاصم، الذي حدث بين الصحابة - رضوان الله عليهم -، هذا وقد جاء الأمر بالإمساك مصرحًا به في الحديث الشريف، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) (١).

ومن هنا شرع الإمساك عن الخوض فيما حدث بين الصحابة الكرام، والتورع عن تتبع تفاصيل الخصام بينهم، ويعد هذا الموقف معلمًا بارزًا من أهم المعالم، التي يتميز بها معتقد الفرقة الناجية، فقد سئل الحسن البصري - رحمه الله تعالى - عن قتال الصحابة فيما بينهم، فقال: "قتال شهده أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا" (٢).

وأجاب بنحو ذلك عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -، حيث قال: "تلك دماء طهر الله يدى منها أفلا أطهر لسانى، مثل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها" (٣).

وقد فصل القول في ذلك شيخ الإسلام - رحمه الله - مبينًا أن الكثير مما روى في التخاصم الذي حصل: مكذوب عليهم، وإنما أريد به تشويه سمعتهم والطعن فيهم، يقول حاكيًا موقف السنة والجماعة في ذلك: "ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل.

ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم


(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن مسعود، برقم: ١٠٤٤٨: (١٠/ ٢٤٣) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه مسهر بن عبد الملك وثقة ابن حبان وغيره، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح (٢٠٢/ ٧): "وصححه الألباني في السلسلة، رقم: ٣٤.
(٢) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (١٦/ ٣٢٢).
(٣) المرجع السابق.

<<  <   >  >>