أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: ٨٨، ٨٩]، إلا أنه لا يمكن أن نسلم له بأن التصوف هو السبيل إلى تحقيق هذه الأهداف السامية، ولعل في الحديث عن أصل التصوف والمراحل التي مر بها ما يكشف ولو يسيرًا عن هذه الحقائق التي يحاول التملص منها كل من نسب التصوف إلى نفسه. فقد تناول الصاوي عند بدء حديثه عن التصوف بيان اشتقاقه وأصله اللغوى، ولا شك أن معرفة هذه المسألة أصل يستدل به على حقيقة التصوف من حيث النشأة، وهذا ما يتأكد عند سبر الأقوال المختلفة في أصل هذه الكلمة، فقد اختلف الباحثون في ذلك تبعًا لبيان حقيقة التصوف ومنشئه الأصلى على عدة مذاهب:
المذهب الأول:
نرى الكلاباذى (١) صاحب كتاب التعرف يجمع الأقوال التي ترجع في نهاية الأمر إلى التأكيد على أن الصوفية إنما نشأت في تعاليم الإسلام، ويستمد للاستدلال لذلك بحياة الصحابة، بل وهدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيضًا ما يؤكد به ما ذهب إليه، حيث يرجع الأقوال في حقيقة نسبة التصوف إلى ثلاثة أقوال لا يرى ثمة تعارض بينها البتة، يقول مفصلًا القول في ذلك:
قال قوم: إنما سموا صوفية لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة، الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال قوم: إنما سموا صوفية لأنهم في الصف الأول بين يدى الله جل وعز بارتفاع هممهم إليه، وإقبالهم بقلوبهم عليه، ووقوفهم بسرائرهم بين يديه.
وقالت طائفة: إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء آثارها، قال بشر بن الحارث الصوفى: من صفا قلبه لله، وقال بعضهم: الصوفي من صفت لله معاملته، فصفت له من الله عز وجل كرامته.
(١) هو محمد بن إبراهيم الكلاباذى البخاري أبو بكر، من المحدثين، له عدد من المصنفات منها: التعرف لمذهب أهل التصوف، بحر الفوائد المشهور بمعانى الأخيار، توفى سنة: ٣٨٠ هـ: معجم المؤلفين: (٨/ ٢١٢).