للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتبين من هذا الموقف لابن الجوزى أن أصل التصوف يرجع إلى الجاهلية وأنه ليس له ما يستند إليه في عصر الرسول والصحابة من حيث النسبة والنشأة، مما يؤكد به غرابته وابتداعه وبالتالى خروجه عن نهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه، يقول:

"كانت النسبة في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الإيمان والإسلام، فيقال: مسلم، ومؤمن، ثم حدث اسم زاهد وعابد، ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد، فتخلوا عن الدنيا، وانقطعوا إلى العبادة، واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها، وأخلاقًا تخلقوا بها، ورأوا أن أول من أفرد بخدمة الله سبحانه وتعالى عند بيته الحرام رجل، يقال له: صوفة". (١)

المذهب الثالث:

أما هذا المذهب فيبعد كل البعد عن هذه الأقوال المتقدمة، حيث جعل أصل التصوف مشتقًا من سوفيا وتعنى الحكمة، وهذا ما رجحه البيرونى مؤكدًا ذلك بتوثيق الصلة بين الصوفية وحكماء الهند؛ حيث التشابه الكبير بين الفكر الصوفى والفكر الهندوسى الفلسفى، وبهذا فهو يبعد تمامًا فكرة التأصيل الإسلامى له (٢).

المذهب الرابع:

تبقى الإشارة إلى أن هناك من مال إلى القول بعدم الاشتقاق وأن هذا الاسم كاللقب اشتهرت به طائفة معينة ليس له أصل اشتق منه، وكان القشيرى هو من اشتهر عنه هذا الرأى، وتأكيدًا على ذلك فإنه يبين بطلان جميع الاشتقاقات التي قال بها غيره، يقول: "وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، وإلا ظهر فيه أنه كاللقب، فأما قول من قال: إنه من الصوف، وتصوف إذا لبس الصوف، فذلك وجه، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف.

ومن قال: إنهم منسوبون إلى صفة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالنسبة إلى الصفة لا تجئ على نحو الصوفى.


(١) المرجع السابق.
(٢) انظر: نشأة الفكر الفلسفى في الإسلام، للدكتور: على النشار: (٣/ ٤٢).

<<  <   >  >>