للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن قال: إنه من الصفاء - كقول الصاوي - فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد عن مقتضى اللغة.

وكذلك النسبة إلى الصف فإن اللغة لا تقتضى هذه النسبة" (١).

وعليه فإن هذا القول ليس فيه تمييز واضح لبيان نشأة التصوف.

المذهب الراجح:

من كل هذه الأقوال يمكن معرفة نسبة التصوف ببيان أنها مشتقة من لباس الصوف، ولكن ليس على جهة تجعل في لبسه اقتداء بالنبى وأصحابه الكرام مما يضفى على نشأته صورة مستمدة من خالص التعاليم الشرعية، بل على جهة تبين الاشتقاق الصحيح لهذه الكلمة وتدع لتأصيلها الدينى مجالًا تكثر فيه الأقوال بل وتتضارب، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام - رحمه الله -، حيث يقول بعد بيانه مناقضة الأقوال السابقة لأصل الكلمة من حيث اللغة: "وقيل وهو المعروف إنه نسبة إلى لبس الصوف، فإنه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة، وأول من بنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد، وعبد الواحد من أصحاب الحسن.

وقد كان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر الأمصار، ولهذا كان يقال: فقه كوفى، وعبادة بصرية، وقد روى عن محمد بن سيرين: أنه بلغه أن قومًا يفضلون لباس الصوف، فقال: إن قومًا يتخيرون الصوف، يقولون: إنهم متشبهون بالمسيح ابن مريم، وهدى نبينا أحب إلينا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبس القطن وغيره". (٢)

والذي يظهر من كلام الشيخ أن في لباس الصوف اقتداء بالنصارى دون النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على النقيض من كلام الكاشاني السابق، وهذا ابن الجوزى يحكم على جميع الأحاديث التي ورد فيها نسبة لبس الصوف إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - على جهة


(١) الرسالة القشيرية: ٢٧٩.
(٢) مجموع الفتاوى: (١١/ ٥). بتصرف.

<<  <   >  >>