للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكل ما تقدم فقد توسعت في هذه المرحلة دائرة الابتداع، فلم يعد التكلف مقصورًا على السلوك فقط، بل تعداه إلى الاعتقاد، وهذا ما كان سببًا لظهور ألوان أخرى من البدع فتحت بابًا كبيرًا من الشر، حتى داخل الاعتقاد من أنواع الكفر والإلحاد ما الله به عليم، وكل ذلك كان خلف ستار مصطلح التصوف.

وكان مالك بن دينار (١)، ورابعة العدوية (٢)، من كبار رواد التصوف في هذه المرحلة. (٣)

وهذا ما نبه إليه الكثير ممن اعتنوا بدراسة التصوف والمراحل التي تطور بها، ففي كتاب الحياة الروحية في الإسلام، ذكر أن أول من نقل الزهد إلى التصوف بمعناه الخاص هي رابعة العدوية (٤).

ولعل المتأمل لكلام ابن الجوزي السابق يلحظ هذا بوضوح، فالتدرج في الألفاظ على فترات متتالية يوحي إلى هذا التطور الذي حصل للتصوف.

وكما سبق وأن أشرت كانت هذه المرحلة المتوسطة بوابة للمراحل الخطيرة والتي دخلت فيها النظريات الفلسفية التي تناقض الإسلام تمامًا بل وتعارض أسس العقيدة


(١) هو أبو يحيى مالك بن دينار البصري، كان من الزهاد وعباد الصوفية الذين ظهر منهم بعض البدع، فقد ذكر في ترجمته أنه كان يأخذ الوعظ من التوراة وهذا مما لا ينبغي مع وجود الهدى المعصوم. توفي سنة: ١٣١ هـ. انظر: وفيات الأعيان: (٤/ ١٣٩).
(٢) هي رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية ولدت عام: ٩٥، وعاشت ثمانين سنة، كانت زاهدة عابدة، إلا أنها أول من خرجت ببدعة العشق الإلهي في الإسلام، فقد نقل عنها أنه كانت تقول:
أحبك حبين: حب الهوى ... وحبًا لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى ... فذكر شغلت به عن سواك
أما الذي هو أنت أهل له ... فكشفك لي الحجب حتى أراك
ولا يخفى ما في هذه الأبيات من سوء استعمال الألفاظ في مناجاة المولى تبارك وتعالى وكانت دائمًا تقول أنها لا تعبد الله خوفًا من ناره ولا طمعًا في جنته بل فقط من أجل حبه، وهذا كله ما ترده الآيات والسنن وأحوال الرسل قبل عامة الناس، قال تعالى في حال صفوة رسله وأنبيائه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}. انظر في ترجمتها في وفيات الأعيان: (٢/ ٢٨٥)، سير أعلام النبلاء: (٨/ ٢٤١).
(٣) انظر: الصوفية نشأتها وتطورها، للشيخ: محمد العبدة وآخرون: ١٩.
(٤) رابعة العدوية: ١٠٥.

<<  <   >  >>