للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه من الأصل، وكان من أقطاب هذه المرحلة: الفيلسوف ابن عربى الطائى، وابن الفارض.

فقد تأثر الاتجاه الفكرى في المجتمع المسلم بالمترجمات الفلسفية على مختلف أنواعها، فإذا كان علم الكلام مع ما فيه من المصطلحات الفلسفية كالجوهر والعرض وغيرها نتاجًا لاحتدام الصراع بين الفلسفة والمتأثرين بها من المسلمين، كان في المقابل علم التصوف وجهًا آخر ظهر فيه أثر ذلك الانحراف الفكرى الناتج عن التأثر بالفلسفة، ولكن خطورته فاقت جميع صور التأثر الفلسفى بأجمعها، حيث خرج التصوف في هذه المرحلة بأفكار كفرية ترتدى ثوب الإسلام لتقتلع جذور العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة من قلوب بعض المسلمين، ولعل تفسير ابن عربى لكلمة التصوف يعد أكبر دليل على ذلك حيث عرفه بأنه: الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرًا وباطنًا وهى الخلق الإلهية، فهذا التعريف في الحقيقة مستمد من معنى الفلسفة التي عرفت بأنها: التشبه بالإله على قدر الطاقة.

ومن هنا نشأت العقيدة الضالة وهى القول بوحدة الوجود، والتى ترمى إلى عدم التفريق بين الخالق والمخلوق، وتدعى أن عين الوجود واحدة، وتأتى كتب ابن عربى الضال في الدرجة الأولى لتأصيل هذا الفكر المنحرف البعيد، المستمد من بطون كتب الفلسفة الإشراقية على الخصوص.

ولم تكن الفلسفة هي المؤثر الوحيد في الفكر الصوفى، فقد تأثر بروافد غريبة أخرى لا تقل خطرًا عن الفلسفة من حيث ما نتج عنها من انحراف خطير لا يمت إلى الإسلام بصلة: "منها نزعة الزهد عند فقراء الهندوس (١)، وغنوصية (٢) مصر


(١) الهندوسية ديانة الهنود الوثنية، يعتنقها معظم أهل الهند، وقد تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر، وتقوم هذه الديانة على معتقد التثليت الذي يعد من أبرز سمات المعتقدات الوثنية، فبراهما وفشنو وسيفا آلهة ثلاثة في إله واحد، ومع ذلك فليس يمنع حصر الألوهية عندهم في تلك الآلهة الثلاثة من امتداد ذلك المفهوم ليعم جميع رجال الدين الهندوس الذين يعتقد فيهم القداسة لكونهم خلقوا من رأس براهما الإله الأب، ومع إخلاص الهندوس في التأله والعبادة والتأمل، فإن الأمل يبقى في إمكان تخلصه من رسوم البشرية ليحيى في عالم الإلهية بعد الموت، وبهذا تجد عقيدة وحدة الوجود عند الهندوس منزلة ثابتة تحمل الهندوس على تحريم قتل الحيوانات ذات الأرواح مهما كانت أنواعها. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة: ٥٣١، وانظر: المعجم الموسوعي للديانات والعقائد: (٣/ ٩١٢).
(٢) الغنوصية مذهب قائم على أن المعرفة هي الطريق إلى الخلاص، حيث أن الأرواح لا بد لها حتى تعود إلى عالمها الخير النوراني أن تتخلص من عالم الظلمة والحس بتلقي المعارف الإشراقية من مخلص يكون له القدرة على تلقيها من عالم الخير. انظر: المعجم الموسوعى: (٢/ ٦٢٠).

<<  <   >  >>