للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أن مناقضة هذا الأصل بصرف الطاعة لغير الله من أعظم ما يفسد معيشة الناس في الدنيا والآخرة، يقول الإمام ابن القيم في قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: ٥٦]: قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها، ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله، والدعوة إلى غيره، والشرك به؛ هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به، ومخالفة أمره. . . .

وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أعظم الفساد في الأرض ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود والدعوة له لا لغيره والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة فإن الله أصلح الأرض برسوله ودينه وبالأمر بتوحيده ونهى عن إفسادها بالشرك به وبمخالفة رسوله" (١).

ومن هنا علم أن تحريم الصاوي التقدم على الشيخ وتصريحه بمنع الاعتراض عليه؛ ولو ظهر منه ما هو حرام في الشرع، فيه مخالفة صريحة جريئة للحق الذي دلت عليه شرائع الدين، ومناقضة لما ذهب إليه أولًا من وجب التزام الشيخ بأوامر الشريعة، كما أن فيه إجحافًا بحق الشيخ، لأن النصح له المأمور به في حق كل مسلم، يقتضي نهيه عن المنكر إذا بدر منه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة) قلنا: لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) (٢).

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في معنى النصيحة: "النصيحة كلمة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلًا".

والنصح للعالم ليس يقتصر نفعه عليه فقط كآحاد المسلمين، بل هو من حقيقة النصح لله تعالى وكتابه ورسوله، فـ "رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة على


(١) بدائع الفوائد: (٣/ ٥٢٥).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان - باب بيان أن الدين النصيحة: (٢/ ٣٧).

<<  <   >  >>