وكأنه أعمق ما يراد من معاني الفناء، الذي به تتحقق الولاية عندهم.
ويرى الصوفية أن السالك قد يتعرض في مقامه لأنواع من الأحوال، منها السكر والصحو وغير ذلك، ومع إمكان التجوز، إلا أن غالب الصوفية على عدها من الأحوال، يقول القشيري:"الصحو: رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة، والسكر غيبة بوارد قوي" ويرى الفرق بينهما في أن صاحب السكر قد يكون فيه نوع من الإحساس؛ بخلاف الغيبة، وذلك في حال عدم استيفاء الوارد، وقد يفوق حال صاحب السكر الغيبة مع قوة الوارد.
وأن السكر لا يكون إلا لأصحاب المواجيد، فعندما يكاشف العبد يحصل له السكر والطرب. (١)
- رأي الشيخ الصاوي:
عند تتبع أقوال الصاوي في مسألة المقامات من خلال مؤلفاته المتعددة؛ يجد الباحث إعراضًا عن كثير من المقامات، التي كانت محل اهتمام الصوفية بل وإجماعهم، فالصاوى عند بيانه لأقسام المقامات لم يذكر التوبة والشكر والرضا والصبر وغير ذلك، وقد اقتصر في حديثه عنها على ما يتعلق بمعرفة الله وتوحيده بالمفهوم الصوفي، فالفناء والبقاء والجمع والفرق ونحو ذلك كان محل اهتمامه، حيث اعتمدها مفصلًا ما يتعلق بها من أحكام بالشرح والتوضيح، ولعل لهذا المسلك من الصاوي أسبابًا نبه إليها في بدء حديثه عن التصوف، وذلك لأنه عند ذكر مبادئ هذا العلم عمد إلى القول بأن نسبته فرع علم التوحيد، وقد سبقت الإشارة إلى أن مفهوم التوحيد عند الأشاعرة والصوفية يعني؛ معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.
ومن هنا كان اهتمامه جليًا في تفصيل هذه المقامات، وتوضيحها للمريد، بل والذب عنها، والتأصيل لها، وسيأتي تفصيل كلٍّ فيما خصص له.