وإذا كانت الإشارة قد سبقت إلى أن المصطلحات الصوفية بعامة؛ تستند في التعبير عنها إلى مفاهيم ذوقية، تبعد كل البعد عن المقاييس والاعتبارات العلمية، لذا فهي تميل إلى وصف حالة شعورية أكثر من أن تحدد ماهيتها أو تفصح عن حقيقتها، فإن هذا ما يؤكده الصاوي، حيث يقول:"البقاء بالله، والفناء في الله، أخلاق ذوقية، لا تعلم إلا بالذوق، والعبارة عنهما لا تفيد شيئًا".
ومع هذا فإننا نجد عبارات كثيرة من الصاوي؛ تحاول تقريب هذه المصطلحات إلى ذهن القارئ، ولعل كتابه المسمى بشرح الصلوات الدرديرية هو الذي نعتمده في هذا المقام، حيث التفصيل والتوضيح للكثير من هذه المصطلحات ولكن دون أن يشير إلى الفرق بين المقام والحال، وهو بهذا قد يتجوز في العبارة؛ فيتكلم عن المقام بلفظ الحال أو العكس.
يقول مفصلًا القول في عدد المقامات والمراد من كل واحد منها؛ حسب الفهم الصوفي، وذلك في شرحه لواحدة من الصلوات المبتدعة:
" المقامات ثلاثة:
- مقام المحجوبين السائرين إلى الله، المستدلين بالصنعة على الصانع.
- مقام أهل الفناء المحض، الذين غرقوا في توحيد الأحدية، فلم يشهدوا سوى ذات الله تعالى.
ولما كان هذا المقام مقام سكر، وخروج عن طور البشرية، وعن حدة التكليف، قال - في صلاته -: وانشلنى من أوحال التوحيد.
- "مقام أهل البقاء بعد الفناء: وهم الذين يشهدون الصنعة بوجود الصانع؛ لكونهم شهدوا قبل كل شيء ذات مولاهم وصفاته وأسمائه".
ويسمى هذه المرتبة بالوحدة، ويرى أن من بلغها فقد بلغ منابع الصدق مع الله في عبادته، يقول: "فالعارف يرى الله قبل الآثار، ويستدل بالله على ثبوت الآثار، والمحجوب يرى الآثار قبل شهود الله؛ فيستدل بالآثار على الله.