للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد علمت أن من غرق في عين بحر الوحدة؛ يكون باقيًا بالله ولا بد، لا بنفسه ولا بشيء سوى الله، لأنه يرى الأكوان كظل الشخص" (١).

وبهذا المعنى الذي فسر به المقام المسمى بالبقاء، والذي عبر عنه بشهود الذات متصفة بالأسماء والصفات؛ فإنه يفسر المعتقد الصوفي الفلسفي المسمى بوحدة الوجود:

يقول: "وهذا المقام يسمى: بوحدة الوجود، ولا يدركه الشخص إلا بعد الفناء في الأحدية، ووحدة الوجود هذه يسمى صاحبها: في مقام البقاء، ويسمى غرقان في بحر الوحدة، التي هي شهود المولى من حيث قيام الأسماء والصفات به (٢).

وكان لهذا المقام تسمية خاصة عند الصوفية، تكشف عن حقيقة الأحكام المتعلقة بهذه المرتبة، هي: حضرة الإطلاق، فليس بمخفى ما تنطوى عليه هذه التسمية من إباحة الخروج عن كل القيود، يقول في شرح إحدى الصيغ المبتدعة: [وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة تدخلنا بها حضرة الإطلاق]: "أي حضرة هي الإطلاق، أي من قيد الأقفاص، أي من الطبائع الجسمانية؛ بأن يخرج العبد من أسر الطبيعة، ومن سائر الحجب الظلمانية والنورانية؛ فيصير حرًا لخروجه عن شوائب الرقية، وهذا معنى قول صاحب السحر: "اللهم إنك فتحت أقفال قلوب أهل الاختصاص، وخلصتهم من قيد الأقفاص، فخلص سرائرنا من التعلق بملاحظة سواك، وافننا عن شهود أنفسنا؛ حتى لا نشهد إلا إياك"، لأن مراده بالأقفاص الأجسام، وقيدها طبائعها، وهي الحجب النفسانية: ظلمانية أو نورانية.

وقد أشار لهذا المعنى محمد بن وفا (٣)، بقوله:

وبعد الفنا في الله كن كيفما تشا ... فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر".


(١) المرجع السابق: ٦٧.
(٢) المرجع السابق: ٦٧. وسيأتي موقفه من هذا المعتقد في مبحث مستقل: ٧٣٧.
(٣) هو محمد وفا، أحد كبار الصوفية نقل عنه كلام إن صح عزوه له فهر في غاية التجنى وسوء الأدب مع الله تعالى، له كتاب العروس وكتاب الشعائر، من مواليد القرن الثامن: طبقات الشعراني: (٢/ ٣١٤).

<<  <   >  >>