للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا الرجوع يأتي بيان المقام الذي يليه وهو الفرق الثاني، يقول: "وهذا الرجوع يسمى بالفرق الثاني.

وأما الوصل؛ فهو تلذذ القلب بشهود الحق بعد زوال الحجب الظلمانية والنورانية. فإن دام له الشهود يقال له: وصل الوصل، أي الوصل الكامل، كقولهم: سر السر، وعين العين، مبالغة في كمال الشيء". (١)

* * *

المناقشة:

إن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته الحسنى، وبكماله المنزه عن المثيل والشريك؛ حقيقة فطرية أقامها المولى في قلب كل العباد، يوم أخذ الميثاق عليهم، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}

فالفطرة السليمة لا تدل على مجرد معرفة الله تعالى، أو الإقرار بوجوده؛ بل إن ذلك الإقرار ليتضمن من الإيمان بحقائق الكمال ما يعجز المنصف عن إنكاره؛ إذ حقيقة الإقرار بوجود الله تعالى تعني الإيمان بربوبيته، والربوبية هي اعتقاد تفرد الرب تعالى بكل صفات الغنى والقوة والكمال والإحاطة والصمدية، وكل ما يقتضى قيامه تعالى بأفعال الربوبية، ولم تكن هذه الحقيقة بمكان ينازع فيه العقلاء؛ حتى أن كفار قريش عندما أنكر عليهم الباري عبادتهم غير الله بالسؤال عن خالقهم؛ لم يملكوا سوى الإقرار بربوبيته تعالى.

كما أن الالتجاء إلى الله تعالى في البأساء والضراء مما غرس إرادته في النفس


= أنا ذلك القطب المبارك أمره ... فإن مدار الكل من حول ذروتي
أنا شمس إشراق العقول ولم أفل ... ولا غبت إلا عن قلوب عمية
بذاتي تقوم الذات في كل ذروة ... أجدد فيها حلة بعد حلة
توفى سنة: ٦٧٦ هـ. انظر: طبقات الشعراني: (١/ ٣٠٨).
(١) شرح المنظومة: ١٤١.

<<  <   >  >>